سورة ص تفسير مجالس النور الآية 29

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٢٩﴾

تفسير مجالس النور سورة ص

المجلس الثاني بعد المائتين: ومضات من قصص النبيين


الآية (17- 48)


يأتي التذكير بنماذج من القصص النبوي في هذا السياق؛ تسليةً للنبيِّ الكريم الذي يُواجه في مكَّة ما واجهه الأنبياء السابقون مع أقوامهم، وفي النماذج أيضًا توسِعة لدائرة الخبرة لدى المؤمنين، وفتح آفاقٍ جديدةٍ واحتمالاتٍ مُتعدِّدة لطبيعة الصراع ومآلاته، وكما يأتي:
أولًا: بدأ القرآن بقصَّة داود عليه السلام، مُستهِلًّا القصة ببيانٍ كلِّيٍّ للحكمة من هذا القصص: ﴿ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا یَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَیۡدِۖ إِنَّهُۥۤ أَوَّابٌ﴾.
وجمع له هنا صفتين عظيمتين: الأَيْد، وهي القوة، والأوَّاب، وأصلها كثير الرجوع، ومعناها: كثير الرجوع إلى الحقِّ والتمسُّك به، ومحاسبة النفس وإلزامها بطاعة الله، وهما صفتان تُكمِّلُ إحداهما الأخرى؛ فالقوة تحمي الحقَّ وتُمكِّنه، والحقُّ يُهذِّبُ القوة ويضَعها في مكانها الصحيح، وذِكرهما في هذا السياق توجيهٌ للنبيِّ الكريم لاستحضارهما في مواجهة الباطل الذي يُحيط بدعوته في مكَّة وما حولها، بمعنى أنّ الأُمَّة المُسلمة ينبغي أن تعدَّ العُدَّة لهذه المواجهة ولحمل الدعوة والتمكِين لها، والله أعلم.
ثم ذكر إكرام الله ـ له: ﴿إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ یُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ ﴿١٨﴾ وَٱلطَّیۡرَ مَحۡشُورَةࣰۖ كُلࣱّ لَّهُۥۤ أَوَّابࣱ ﴿١٩﴾ وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَیۡنَـٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ﴾.
والغاية من ذِكرِ هذه النعم: البِشارة لسيِّدنا محمد ولأصحابه الأبرار  بالنصر والتمكين، والإشارة بهذه البشارة مأخوذة من صدر هذه القصة: ﴿ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا یَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَیۡدِۖ إِنَّهُۥۤ أَوَّابٌ﴾، والله أعلم.
ثم عرَّج القرآن على مشهدٍ مُحددٍ في حكم داود عليه السلام، خلاصته: أنَّ خصمَين دخَلَا على داود يحتَكِمَان إليه، فقضى بينهما ﴿۞ وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُاْ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُواْ ٱلۡمِحۡرَابَ ﴿٢١﴾ إِذۡ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَٱحۡكُم بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَ ٰ⁠طِ ﴿٢٢﴾ إِنَّ هَـٰذَاۤ أَخِی لَهُۥ تِسۡعࣱ وَتِسۡعُونَ نَعۡجَةࣰ وَلِیَ نَعۡجَةࣱ وَ ٰ⁠حِدَةࣱ فَقَالَ أَكۡفِلۡنِیهَا وَعَزَّنِی فِی ٱلۡخِطَابِ ﴿٢٣﴾ قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡخُلَطَاۤءِ لَیَبۡغِی بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَقَلِیلࣱ مَّا هُمۡۗ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّ رَاكِعࣰا وَأَنَابَ ۩﴿٢٤﴾.
والمشهد فيه عبرةٌ كبيرةٌ لمعالجة ما يطرأ بين الشركاء والأقربين من منازعات ومنافسات، وقد أضافَت بُعدًا آخر لرسالة الأنبياء عليهم السلام، وهو البُعد المُتعلِّق بإدارة الجماعة المؤمنة وحلِّ مشاكلها الداخليَّة بالقسط والعدل، وكما أنَّ مُواجهة الكفر والباطل فيه اختبارٌ للمُؤمنين ولصلابة إيمانهم، فكذلك الحكم بالعدل بين المؤمنين أنفسهم فيما يختَصِمُون فيه؛ ولذلك عقَّبَ القرآن على هذا المشهد بقوله: ﴿وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ﴾.
ولا يبعُد أيضًا أن يكون في هذا المشهد تأديبٌ من الله لنبيِّه داود عليه السلام في دقائق حكمه مما لم يشأ القرآن أن يُقحِمَنا فيه؛ لأنَّ الحكمة أكبر من تلك التفاصيل، فينبغي الوقوف عند هذا.
أمّا ما تنقله بعض كتب التفسير من قصصٍ طويلةٍ عريضةٍ، وافتراضاتٍ لها أوَّل وليس لها آخر، فكلُّ هذا لم يثبُت في كتابٍ ولا في سُنَّةٍ صحيحةٍ، وغالبهُ نُقُولٌ عن كتب اليهود وأخبارهم مما لا يصحُّ الاستدلال ولا الاستِشهاد به، وبعضها مُسيءٌ لمقام الأنبياء عليهم السلام مما لا يتناسب إلّا مع عقائد اليهود ونظرتهم إلى أنبيائهم التي تُجوِّز فيهم ما لا يجوز على آحاد البشر وعامتهم.
ثم ختم القرآن قصَّة داود عليه السلام بهذا التوجيه الحاسم: ﴿یَـٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَـٰكَ خَلِیفَةࣰ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَـتَّـبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَیُضِلَّكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَضِلُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدُۢ بِمَا نَسُواْ یَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ﴾.
إنّها مسؤوليَّة الحاكم فيما استرعاه الله من رعيَّةٍ، وفيما حمَّلَه من أمانة، والخطاب وإن كان مُوجَّهًا إلى داود عليه السلام، لكن المقصود به توجيهًا وتكليفًا كلّ من تولَّى مسؤوليَّة عامة، وأعطاه الله سُلطةَ الحكمِ بين الناس، والله أعلم.
ثانيًا: بعد قصة داود شرَعَ القرآن بذكر قصة سليمان عليهما السلام، وهي قصَّة في الحكم والمُلك أيضًا، وكأن في هذا كلِّه تمهيدًا للمُلك الذي سيمنَحه الله لنبيِّه محمد ولأُمَّته.
تستهِلُّ قصة سليمان ببيان أنّه من نِعم الله على أبيه داود، وأنّه قد ورِثَ عنه صفاته الحميدة كما ورث عنه الحكم ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ ٱلْعَبْدُۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.
ثم تُعرِّج القصة على مشهدَين اثنَين: الأول مُتعلِّقٌ بمظهرٍ من مظاهر القوة والمُلك؛ حيث عُرِضَت عليه خَيلُه، وهي التي رُبَّما لا تُحصى عددًا، فأخذ يمسَح بأعناقها وسِيقانها حُبًّا لها، واعتزازًا بها، وهو في هذه الحال يتذكَّر أنّ هذا الخير الذي عنده ينبغي أن لا يشغَلَه عن ذِكر الله؛ فالموازنة بين المُلك والعبادة، أو بين القوة والمحاسبة - كما مرَّ في صفة أبيه داود - شرط في الحكم الرشيد.
وقوله: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ هو من صَميم صفة الأوَّاب، بمعنى أنَّه كثير الأَوْب إلى الله، كثير المحاسبة لنفسه.
أمّا ما ورد من أنّه ذبح كلَّ هذه الخيول عقوبةً لنفسه لأنَّه كان قد فاتَه وقت صلاةٍ بسبب انشغاله بالخيل، فهذا لا يستقيم في ميزان الشرع، وفي فِقهِ الحكم والملك، فالخيولُ هذه لها وظيفتها في حماية البلاد التي يحكمها، وقَتلُها لغرض التفرُّغ للذكر والعبادة ليس وارِدًا، والله أعلم.
أما المشهد الثاني، فقد لخَّصَته آية: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ وأقرب ما ورد في هذا: أنّه عليه السلام عزَمَ على أن يأتي زوجاته ليَلِدْنَ له أولادًا يُعينونه في المُلك، ويُقاتِلُون في سبيل الله، فشاءَ الله غير ذلك، فلم يكن له إلا سِقطٌ ليس فيه رُوح، وفي هذا تأكيدٌ لوحدانيَّة الله في الخلق، وأنّ العبد مهما بلَغَ من المنزلة عند الله، ومهما أعطاه الله من المُلك والقوَّة فإنَّ المُلك الحقَّ لله وحده.
وقد أخرج البخاري حديثًا في هذا، وإن لم يأتِ في معرِضِ تفسير هذه الآية، لكنَّه الأقربُ في تفسيرها، والله أعلم.
بعد هذا الدرس العميق في التوحيد، لجأ سُليمان عليه السلام إلى ربِّه يسأله مُلكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وهو سؤال العبد الأوَّاب المُتواضِع لربِّه: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ فأعطاه الله المُلك الواسع، وسخَّر له الكائنات التي لم تُسخَّر لسواه ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ﴿٣٦﴾ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ﴿٣٧﴾ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴿٣٨﴾ هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿٣٩﴾ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ﴾.
وهنا إشارةٌ عظيمةٌ وعميقةٌ أيضًا: أنَّ إخلاص العبودية لله لا يُعارِضُه طلب المُلك، على خلاف ما يتوهَّمُه بعض المُتديِّنِين في مفهوم العبادة والزّهادة.
ثالثًا: انتَقَلَ السياقُ إلى نموذجٍ آخر مختلف تمامًا عن النموذجَين السابقَين، إنّه النبيُّ الذي لم يُبتَلَ بالحكم والمُلك، وإنّما ابتُلِيَ بالمرض والفقر ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ فاستجاب له ربُّه بكشف الضرِّ، ومزيد العطاء: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴿٤٢﴾ وَوَهَبۡنَا لَهُۥۤ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةࣰ مِّنَّا وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾.
ثم يَسَّرَ عليه في شأن زوجته التي كانت قد أغضَبَتْه في أمرٍ ما، فحَلَفَ أن يضربها عددًا، وكانت امرأته بارَّة به، صابِرة معه: ﴿وَخُذۡ بِیَدِكَ ضِغۡثࣰا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَـٰهُ صَابِرࣰاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥۤ أَوَّابࣱ﴾ وفي هذا تسلِيةٌ لرسول الله ، وبِشارةٌ برفع الضُرِّ عن المُستضعَفِين مِن المؤمنين في مكَّة.
رابعًا: ثم ذكَّر القرآنُ بعددٍ من الأنبياء عليهم السلام يتقدَّمُهم سيدنا إبراهيم؛ لما له من خصوصيَّةٍ في هويَّة الأُمّة المسلمة، إضافةً لمكانته الدينيَّة والتاريخيَّة بين الأنبياء جميعًا: ﴿وَٱذۡكُرۡ عِبَـٰدَنَاۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ أُوْلِی ٱلۡأَیۡدِی وَٱلۡأَبۡصَـٰرِ ﴿٤٥﴾ إِنَّـاۤ أَخۡلَصۡنَـٰهُم بِخَالِصَةࣲ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ ﴿٤٦﴾ وَإِنَّهُمۡ عِندَنَا لَمِنَ ٱلۡمُصۡطَفَیۡنَ ٱلۡأَخۡیَارِ ﴿٤٧﴾ وَٱذۡكُرۡ إِسۡمَـٰعِیلَ وَٱلۡیَسَعَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ وَكُلࣱّ مِّنَ ٱلۡأَخۡیَارِ﴾.


﴿ذَا ٱلۡأَیۡدِۖ﴾ صاحِب القوة، والأَيْد من الفعل آدَ وأيَّدَ، ومنه التأييد، ولا يمنع أيضًا أن يكون جمع يدٍ بحذف الياء، وهو جمعٌ مجازيٌّ بمعنى القوَّة الكثيرة، ويُعضِّد هذا قوله عن الأنبياء الآتِين عليهم السلام: ﴿أُوْلِی ٱلۡأَیۡدِی وَٱلۡأَبۡصَـٰرِ﴾.
﴿إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ یُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ ﴿١٨﴾ وَٱلطَّیۡرَ مَحۡشُورَةࣰۖ﴾ في تسخيرهما معنًى مضاف غير التسبيح؛ إذ التسبيح كائن قبل داود عليه السلام وبعده، ولعلَّ خصوصيَّته كانت بسماعه لهذا التسبيح، واستئناسه به، ولا يمنع أيضًا أنّهما سُخِّرَتا له لتحصيل منافعهما، وكان هذا مُقترنًا بتسبيحهما وخضوعهما لناموس الله الذي وضعه فيهما.
والعشيُّ: آخر النهار، والإشراقُ: أوَّله، وقوله: ﴿مَحۡشُورَةࣰۖ﴾ أي: مجموعة له.
﴿كُلࣱّ لَّهُۥۤ أَوَّابࣱ﴾ أي: مُسخَّر معه وراجِع إليه.
﴿وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ﴾ قوَّينَاه وثبَّتنَاه.
﴿وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ﴾ قوَّة الحُجَّة وبراعَة الأسلوب.
﴿إِذۡ تَسَوَّرُواْ ٱلۡمِحۡرَابَ﴾ دخلوا عليه في مكان عبادته دون استِئذان بعد أن تسوَّرُوا الجدار المُحيط بمحرابه، وهو سلوكٌ غير مُعتاد بالنسبة للمُلوك، وداود كان ملِكًا، من هنا مالَ بعض المفسرين إلى القول بأنّهما مِن الملائكة، وهذا مُشكِل أيضًا؛ لأنّ الملائكة لا يحتاجون إلى تسوُّر الجدار، والملائكة لا شأنَ لهم بالنِّعاج، والاستِرسال في هذا التأويل يقود إلى نفي القصة واعتبارها مثالًا افتراضيا لا غَير، وهذا خلاف الظاهر من الخبر.
والأقرب: أن داود كان في مكان عبادته وليس معه حَرَسُه، وربما كان هذا المكان ليس داخِلًا في قصر الحكم، فتسَنَّى لهذَين الرجُلَين أن يدخُلَا عليه بهذه الطريقة، والله أعلم.
﴿وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَ ٰ⁠طِ﴾ أي: إلى الصراط السوي المستقيم.
﴿فَقَالَ أَكۡفِلۡنِیهَا﴾ أي: ضُمَّها إلى غنَمِي واجعَلها في مُلكي، ولم يذكر هنا مُسوِّغًا لهذا الطلب، ربما لأنّ المقصود: إظهار حالة الطمَع لدى بعض الشركاء، دون النظر في التفاصيل.
﴿وَعَزَّنِی فِی ٱلۡخِطَابِ﴾ أي: غلَبَني واستضعَفَني.
﴿قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ﴾ حَكَمَ بينهما بما أراه الله، وبما هو الظاهر من حالهما، والقرآن هنا لم ينقُل البيِّنة وطريقة الإثبات، وداود عليه السلام لا يمكن أن يحكم من غير بيِّنةٍ، ولكنه الإيجاز القرآني الذي لا يستَرسِلُ بنقل الأحداث كاملة كما هو شأن التاريخ، وإنّما يكتَفِي بنقل موضع الشاهد، والله أعلم.
﴿وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡخُلَطَاۤءِ لَیَبۡغِی بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ﴾ تنبيهٌ لذوي العلاقات الماليَّة والتجاريَّة بالتنزُّه عن البغي والظلم.
﴿وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّ رَاكِعࣰا وَأَنَابَ ۩﴾ واستغفار الأنبياء لا يلزم منه الوقوع في المعصية، وإنّما هم في استغفارٍ دائمٍ، وهذا من جميل أدَبِهم مع الله، وهذا دأب الصالحين أيضًا؛ استِشعار التقصير بسببٍ وبدون سبب، خاصَّةً فيمَن يَلِي ولايةً عامَّةً فيها حقوق الخلق، وهو إنّما يحكم بظاهر الأمر، من هنا كان الاستغفار أَولَى، وكان الشعور بأنّ هذا المُلك إنما هو اختبار وامتحان ﴿وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ﴾ وهذا من تمام أدبِهِ وتعبُّدِهِ لله تعالى.
ولا يمنع أيضًا أنّه فهِمَ من قصة الرجُلَين المُختصمَين شيئًا يتعلَّق بحكمه وإدارة مُلكِه يستوجِبُ المراجعة، يُعضِّد هذا قوله تعالى في الآية التالية: ﴿فَغَفَرۡنَا لَهُۥ ذَ ٰ⁠لِكَۖ وَإِنَّ لَهُۥ عِندَنَا لَزُلۡفَىٰ وَحُسۡنَ مَـَٔابࣲ﴾ وهذا من تمام وصف الله له بأنّه: ﴿أَوَّابٌ﴾.
أمّا ما تتناقَلُه بعض كتب التفسير من تفسير النِّعاج بالنساء، واتِّهام سيدنا داود بما لا يَلِيقُ بآحاد الخلق، فهو من أباطيل القصص الإسرائيليَّة التي لا تثبت سندًا، ولا تصِحُّ عقلًا.
﴿یَـٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَـٰكَ خَلِیفَةࣰ فِی ٱلۡأَرۡضِ﴾ أي: خليفةً لله في إنفاذ حُكمه تعالى في الخلق بإبطال الباطل، وإحقاق الحقِّ، والاستِقامة على الصراط السَّوِيِّ ﴿فَٱحۡكُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَـتَّـبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَیُضِلَّكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ﴾.
فالحكم في الإسلام إنّما هو لله، وما الحاكم إلا منفِّذ لحكم الله وليس مُشرِّعًا، وبهذا يتنزَّه نظام الحكم في الإسلام عن الهوى والتعصُّب وتغليب المصالح الشخصيَّة أو الحزبيَّة، وهذا كله مرتبطٌ أيضًا بفلسفة الخلق الكليَّة ومقاصده الكبرى ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ﴾ [البقرة: 30].
فالإنسان مُكلَّف بإدارة الأرض على منهاج خالقها ومُبدعها من العدم سبحانه، ومالِك مقاديرها وأقواتها وأرزاقها وكلّ مَن فيها وما فيها.
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ نفيٌ لنظرية العَبَث في تفسير الخلق، وهي نظريةٌ قديمةٌ جديدةٌ، تتَّخِذُ في كلِّ عصرٍ لونًا مُختلفًا، ويجمعها القول بنفي وجود القصد والغاية في هذا الخلق، وإحالة كلِّ هذا النظام الكوني البديع إلى عشوائيَّة الصُّدفة، وعبَثِيَّة الطبيعة الصمَّاء البَكمَاء، وقد جاء هذا الردُّ في سياق الحديث عن خِلافة الله في الأرض؛ لتأكيد أنّ مقاصِد الخلق إنما تتحقَّقُ بهذا الاستخلاف.
﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ بمعنى أنّ الذين يُنفِّذُون حُكمَ الله، ويسِيرون في الأرض على منهج الله هم الذين يُصلِحُونها ويُعمِّرُونها، بخلاف أولئك الذين يظنُّون أنّ الحياة عَبَثٌ، وأنّ وجود الإنسان صُدفة.
﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ تنبيهٌ إلى ضرورة التدبُّر، وأنّ هذا القرآن إنّما أُنزِل ليفهَمَه الناس حقَّ فَهمِه، لا ليتبرَّكوا بتلاوته من غير علمٍ ولا فهمٍ، والسياق يُشيرُ إلى أنّ فهمَ القرآن شرطٌ في تحقيق الاستخلاف الحقِّ في هذه الحياة.
﴿الصَّافِنَاتُ﴾ صورة للخيل وهي تقِف على ثلاثٍ وطرف حافر الرابعة، كأنّها تتأهَّبُ للانطِلاق، وهي صورةٌ جماليَّةٌ تُحبِّبُ الخيولَ إلى أصحابها، خاصَّةً إذا كانت مجتمعة ومتوجِّهة وجهةً واحدةً، وهو معنًى آخر للصافِنات.
﴿الْجِيَادُ﴾ جمع جواد، وهو الفرس ذو الجودة في شكله وبراعته.
﴿أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي﴾ يعني: أحبَبتُ هذه الخيولَ الجِيادَ، وانشَغَلتُ بها عن ذِكرِ ربِّي.
﴿حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ أي: اختَفَت الشمس وراء الأفق، هو تأكيدٌ لمعنى العَشِيِّ، وهو الوقتُ الذي عُرِضَت فيه الخيلُ لسُليمان عليه السلام.
﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ﴾ يُخاطِبُ ساسةَ الخيل أن يُرجِعُوها إليه.
﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ كعادة صاحب الخيل المُحِبِّ لخيله والمعتني بها، والسُّوق: جمع ساق.
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ اختبرناه.
﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ سِقطًا بلا روح، وكان قد تمنّى أن يرزقه الله بعددٍ من الأبناء الأشِدَّاء بعد أن طافَ في ليلةٍ واحدةٍ على عددٍ مِن نسائه.
﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ أيقَنَ أنّ الخلق لله وحده، وأنّ الأخذَ بالأسباب لا يُغنِي عن التوكُّل على الله واللجوء إليه سبحانه.
﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾ وليس استغفار الأنبياء يستلزم وقوع ذنبٍ منهم، بل هو من أدَبِهم مع الله .
﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ﴾ أي: لا يكون لأحدٍ من بعدي، ولازم دُعائه أن لا يكون معه في حياته أيضًا من يُنازِعه المُلك، والظاهر أنّه لم يَعنِ بالملك ما هو معهودٌ من أمر الدنيا؛ إذ هذا مخترق بكثيرٍ من الملوك الذين ملَكُوا بعده، فكان مُلكُهم أوسع من مُلكه، وما هو مُشاهَدٌ اليوم أيضًا من اعتِضاد المُلك بأنواع السلاح المتطوِّر، والصناعات الحديثة، والعلوم المختلفة التي لم تكُن على عهد سُليمان.
والأقرب أنّه يعني نوعَ المُلك؛ حيث كان مُلْكًا مبنيًّا على خوارق العادة، وتسخير الجنِّ لخدمته، وهذا على خِلاف سنَّة الله في الكون، ومِن ثَمَّ كان هذا الدعاء بمثابة الاستثناء المؤقَّت لغايةٍ يعلَمُها الله، ثم يعود المُلك إلى ما هو معهودٌ في عالم السُّنن والأسباب والنواميس الكونيَّة.
ويُعضِّد هذا الفهم ما ورد عن النبيِّ أنّه قال: «إِنَّ عِفْرِيْتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ البَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، فَأَخَذْتُهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ﴾ فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا».
بينما وردت أحاديث أخرى تُبشِّرُ بانتشار الإسلام وخضوع الأرض لحكمه بما هو أوسع من مُلك سليمان، ولكن بالسُّنن الكونيَّة وليس بالخوارق والمعجزات، من ذلك حديث مسلم: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِيْ مِنْهَا».
﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ أي: تُطيعه حيثما أراد.
﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ يعملون له في البرِّ والبحر.
﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ أي: مُقيَّدِين بالسلاسل.
﴿هَٰذَا عَطَاؤُنَا﴾ أي: المُلك الذي خصَّ الله به سليمان، وهو - كما ترى - مُلكٌ يقوم على الخوارِقِ؛ من تسخيرٍ للريح، وتسخيرٍ للجِنِّ، فهذا هو الذي لا يكون لأحدٍ من بعده، والله أعلم.
﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ بمعنى أنَّ هذا المُلك مُسخَّرٌ لك تتصرَّف فيه عطاءً ومنعًا، بتخويلٍ من الله من غير تحديدٍ أو تقييدٍ.
﴿وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ﴾ لقُربَى من الله.
﴿وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ حُسن العاقبة، وهي الجنَّة.
﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ معلومٌ أنَّ بلاء أيوب عليه السلام كان في جَسَده وفي أهله وماله، ونَسَبَ ذلك إلى الشيطان؛ تأدُّبًا مع الله، وإلا فإنَّ كلَّ ما وقَعَ عليه إنّما هو ابتِلاءٌ من الله تعالى، والله يبتَلِي عبادَه بما يشاء، كما قال في سورة الأنبياء: ﴿وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَیۡرِ فِتۡنَةࣰۖ﴾ [الأنبياء: 35]، والنسبة إلى الشيطان فيها تواضُعٌ مع الله، واتِّهامٌ للنفس، كأنّه يقول: إنَّ ما أصابَني كان بسبب ذَنبِي الذي أوقَعَني فيه الشيطان.
أما توهُّم أنّ الشيطان قادرٌ على إحداث كلِّ هذا البلاء، فضلًا عن أن يكون هذا في نبيٍّ من الأنبياء، فهو تَوهُّمٌ باطلٌ لا شكَّ في بطلانه.
﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ﴾ قُم واضرِب الأرضَ برِجلِك، وفيه الإشارةُ إلى الأخذ بالأسباب، وتجديد الهمَّة والعزيمة.
﴿هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ متعلقٌ بقوله: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ﴾ حيث أجرى الله له نَبعًا من الأرض بضَربَته هذه؛ ليغتَسِلَ به، ويشرَبَ منه.
﴿وَوَهَبۡنَا لَهُۥۤ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ﴾ ردَّ عليه أهلَه بعد أن اعتَزَلُوه لمَرَضِه، ثم بارَكَ فيهم وكثَّرَهم.
﴿وَخُذۡ بِیَدِكَ ضِغۡثࣰا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ﴾ الظاهر أنّه عليه السلام كان قد حَلَفَ أن يضرِبَ امرأتَه عددًا من الضربات على أمرٍ أغضَبَتْه فيه وهو في مرضه، وكانت امرأتُه صابِرةً معه في مِحنَتِه، فوجَّهَه الله - رُخصةً له، ورحمةً بامرأته - إلى أن يأخذ حزمةً من الأعواد الرقيقة بعدَدِ حلِفِه فيضرِبَها بها؛ ليبَرَّ بيمينه دون أن يُؤذِي امرأتَه.
﴿إِنَّا وَجَدۡنَـٰهُ صَابِرࣰاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥۤ أَوَّابࣱ﴾ إشارة إلى علاقة الصبر بالفَرَج وتنفيس الكرب، مع ما في الآية من عظيم المدح لأيوب عليه السلام، وكأنّ الله اختاره ليكون مثالًا يُحتذى في الصبر لكلِّ مُبتلى.
﴿وَٱذۡكُرۡ عِبَـٰدَنَاۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ أُوْلِی ٱلۡأَیۡدِی وَٱلۡأَبۡصَـٰرِ﴾ أراد بالأيدي: القوَّة، وبالأبصار: العلم والبصيرة، وهما صفتان تُكمل إحداهما الأخرى؛ إذ القوة من غير علمٍ تخبُّط وقسوة وظلم، والعلم من غير قوَّةٍ ضعف وتشتُّت وضياع.
﴿إِنَّـاۤ أَخۡلَصۡنَـٰهُم بِخَالِصَةࣲ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ﴾ يعني أنّ الله منَحَهم الإخلاص والتجرُّد لعمل الآخرة، واستِحضارها في كلِّ شأنٍ من شؤونهم، وعملٍ من أعمالهم.
﴿وَإِنَّهُمۡ عِندَنَا لَمِنَ ٱلۡمُصۡطَفَیۡنَ﴾ أي: لمن المُختارين الذين اختارَهم الله، فكانوا من صفوةِ عباده.
﴿وَٱذۡكُرۡ إِسۡمَـٰعِیلَ وَٱلۡیَسَعَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ وَكُلࣱّ مِّنَ ٱلۡأَخۡیَارِ﴾ وإسماعيل هو ابن إبراهيم الذي فَدَاه الله بذِبحٍ عظيمٍ، وأمّا اليَسَعُ وذُو الكِفْل فهما مِن الأنبياء بدلالةِ السياق، غيرَ أنَّ القرآن لم يُفصِّل لنا أخبارَهما، فينبغي الوقوفُ عند هذا، والله أعلم.
وفائدة ذكر هؤلاء الأنبياء: تأكيدُ الصِّلَة بين كلِّ هذه الرسالات؛ لأنّها من مصدرٍ واحدٍ، ولغايةٍ واحدةٍ.