ولمَّا أخبر أنَّ لهم البُشرى؛ أمره الله ببشارَتِهِم، وذَكَرَ الوصفَ الذي استحقُّوا به البشارةَ، فقال: {فَبَشِّرْ عبادِ. الذين يستَمِعون القولَ فيتَّبِعونَ أحْسَنَهُ}: وهذا جنسٌ يشملُ كلَّ قول؛ فهم يستمعون جنس القول ليميِّزوا بين ما ينبغي إيثارُه مما ينبغي اجتنابُه؛ فلهذا كان من حزمهم وعقلهم أنَّهم يتَّبِعون أحسنَه، وأحسنُه على الإطلاق كلامُ الله وكلامُ رسوله؛ كما قال في هذه السورة: {اللهُ نَزَّلَ أحسنَ الحديثِ كتاباً متشابهاً ... } الآية. وفي هذه الآية نكتةٌ، وهي أنَّه لما أخبر عن هؤلاء الممدوحين أنَّهم يستمعون القول فيتَّبِعون أحسنَه؛ كأنَّه قيل: هل من طريقٍ إلى معرفة أحسنِهِ حتى نتَّصِفَ بصفات أولي الألباب، وحتى نعرِفَ أنَّ مَنْ آثره عَلِمْنا أنَّه من أولي الألباب؟ قيل: نعم؛ أحسنُه ما نصَّ الله عليه بقوله: {اللهُ نَزَّلَ أحسنَ الحديثِ كتاباً متشابهاً ... } الآية. أولئك {الذين يستمعونَ القولَ فيتَّبِعونَ أحسنَهُ أولئك الذين هداهُمُ اللهُ}: لأحسن الأخلاق والأعمال، {وأولئك هم أولو الألبابِ}؛ أي: العقول الزاكية، ومن لُبِّهم وحزمِهِم أنَّهم عَرَفوا الحسن من غيره، وآثروا ما ينبغي إيثارُهُ على ما سواه، وهذا علامةُ العقل، بل لا علامةَ للعقل سوى ذلك؛ فإنَّ الذي لا يميز بين الأقوال حسنِها وقبيحِها؛ ليس من أهل العقول الصحيحةِ، أو الذي يميِّزُ لكنْ غلبتْ شهوتُه عقلَه فبقي عقلُه تابعاً لشهوتِهِ فلم يؤثِرِ الأحسنَ؛ كان ناقصَ العقل.