﴿إِنَّكَ مَیِّتࣱ وَإِنَّهُم مَّیِّتُونَ﴾ فكلّ ابن آدم ميِّت طال عمره أم قصر، وإنّما ذكره؛ تمهيدًا لبيان حال الفريقين بعد الموت
﴿ثُمَّ إِنَّكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ﴾.
﴿كَذَبَ عَلَى ٱللَّهِ﴾ نسب إليه ما لا يليق به من الشريك والولد وكلّ صفة نقص، ويدخل فيه: كلّ من أفتى عن الله بغير علمٍ، وحلَّل أو حرَّم على عباد الله ما لم يأذن به الله.
﴿وَكَذَّبَ بِٱلصِّدۡقِ إِذۡ جَاۤءَهُۥۤۚ﴾ أي: كذَّبَ بالقرآن.
﴿مَثۡوࣰى﴾ منزِل يستقِرُّ فيه.
﴿وَٱلَّذِی جَاۤءَ بِٱلصِّدۡقِ﴾ هو سيدنا ونبيُّنا محمدٌ
ﷺ، وكذلك كلّ نبيٍّ بعثه الله.
﴿وَصَدَّقَ بِهِۦۤ﴾ كلّ مؤمنٍ صدَّق برسول الله وآمَنَ به وبرسالته.
﴿لِیُكَفِّرَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِی عَمِلُواْ﴾ وأسوأُ الأعمال الكفر؛ فمَن آمَنَ كفَّر الله عنه ما كان منه قبل ذلك، وتكفيرُ ما دون الكفر أَولَى.
﴿وَیَجۡزِیَهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ ٱلَّذِی كَانُواْ یَعۡمَلُونَ﴾ وأحسنُ العمل: الإيمان، وكلّ عملٍ صالحٍ إنّما هو تابِعٌ له، فمَن قَبِلَ الله إيمانه قَبِلَ له سائر عمله، مع الإشارة إلى مُضاعفة الأجر وقبول الأعمال بأعلى درجةٍ مِن القبول، والله أعلم.
﴿أَلَیۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥ ۖ﴾ تأكيدٌ لطمأنينة المؤمن المُوحِّد الذي لا يعبُدُ إلا إلهًا واحدًا، فالله يكفِيه عن اللُّجُوء إلى غيره؛ إذ هو الذي بيَدِه مقاليدُ كلِّ شيء.
﴿وَیُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِینَ مِن دُونِهِۦۚ﴾ من تلك الآلهة المصنُوعة التي لا تملِك لأنفسها شيئًا، فضلًا عن أن تملِك لغيرها ضرًّا أو نفعًا.
﴿وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادࣲ﴿٣٦﴾ وَمَن یَهۡدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّضِلٍّۗ﴾ بمعنى أنّ الله يضلُّ مَن طلب الضلالة وسعى لها، ويهدي مَن طلب الهداية وسعى لها، فهذه سُنَّةُ الله العادلة في عباده، ولن يستطيع أحدٌ أن يخرق هذه السُنَّة الإلهيَّة.
﴿قُلۡ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّی عَامِلࣱۖ﴾ فيه تأكيد التمايُز بين الفريقَين، وفيه أنّ عمل الباطل لا بُدّ أن يُقابَل بعمل الحقّ وإلَّا خَلَت الساحة للباطل، وفيه تهديدٌ لأهل الباطل؛ ولذلك قال بعدها:
﴿فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ ﴿٣٩﴾ مَن یَأۡتِیهِ عَذَابࣱ یُخۡزِیهِ وَیَحِلُّ عَلَیۡهِ عَذَابࣱ مُّقِیمٌ﴾ والعذابُ المُقيم هو: العذابُ الدائم.
﴿فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا یَضِلُّ عَلَیۡهَاۖ﴾ تأكيدٌ لعقيدة العدل الإلهي، وأنّ كلّ إنسانٍ يتحمَّلُ مسؤوليَّتَه دون جَبرٍ أو إكراهٍ، وفي هذا تفسيرٌ أيضًا لقوله تعالى المُتقدِّم:
﴿وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادࣲ ﴿٣٦﴾ وَمَن یَهۡدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّضِلٍّۗ﴾.
﴿ٱللَّهُ یَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِینَ مَوۡتِهَا﴾ أي: يقبِضُها بعد أن يُوفِّيها أجَلَها المُسمَّى لها، ثم استعمل التوفِّي بمعنى الموت نفسه لمكان التلازُم بينهما.
﴿وَٱلَّتِی لَمۡ تَمُتۡ فِی مَنَامِهَاۖ﴾ شبَّهَ النائمَ بالميِّت؛ لفقده الإدراك والإرادة كالميِّت، مع أنّ النائم حيٌّ وداخلٌ في أحكام الأحياء بلا خلاف، لكنّه تنبيهٌ إلى ضعف هذا الإنسان واستسلامه لما يُشبِهُ حال الميت طوعًا أو كرهًا.
﴿فَیُمۡسِكُ ٱلَّتِی قَضَىٰ عَلَیۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَیُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰۤ﴾ تفريقٌ بين الميت والنائم؛ فالميت لا ترجع إليه روحه ولا وعيه ولا حركته، بخلاف النائم.
﴿إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ﴾ تمييزٌ للمفكرين عن غيرهم في إدراك الظواهر وتحليلها، واستنباط النتائج والدروس منها.
﴿قُل لِّلَّهِ ٱلشَّفَـٰعَةُ جَمِیعࣰاۖ﴾ فلا يشفع أحدٌ عنده إلَّا بإذنه، ولستم أنتم الذين تختارون له الشفعاء.
﴿وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأَخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِینَ مِن دُونِهِۦۤ إِذَا هُمۡ یَسۡتَبۡشِرُونَ﴾ وصفٌ لحال المشركين في نفرتهم عن التوحيد مع أنّه الحقّ الأبلَج، وأُنْسِهم بآلهتهم مع ظُلمتها وعجزها وقلَّة حيلتها، ويدخل في هذا أيضًا كلُّ من يأنس بأحكام البشر وتصوُّراتهم وآرائهم، ويُقدِّمها على حُكم الله وهديه وشريعته، كما نراه اليوم من بعض المُنتسِبين للإسلام.
﴿قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَـٰلِمَ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَیۡنَ عِبَادِكَ فِی مَا كَانُواْ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ﴾ هذا الدعاء المبارك يملأ القلب ثقةً وطمأنينةً، فلا يدعو به إلَّا المطمئن على عقيدته ودينه.
﴿وَحَاقَ بِهِم﴾ نَزَلَ وأحاطَ بهم.
﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَـٰهُ نِعۡمَةࣰ﴾ مِن نعم الدنيا؛ كالمال والمنصب والجاه.
﴿قَالَ إِنَّمَاۤ أُوتِیتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ﴾ أي: ينسَى الله فيها ولا ينسب النعمة إليه، بل ينسبها إلى علمه وجهده وكفاءته.
﴿بَلۡ هِیَ فِتۡنَةࣱ﴾ إذ هذه النعم كلّها اختبارٌ وامتحانٌ، والعاقبة لمن اتَّقَى اللهَ فيها وسخَّرها في طريق الخير.
﴿قَدۡ قَالَهَا ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ﴾ أي: قال مثلَ هذا القول الذين من قبلهم؛ كفرعون وقارون.
﴿یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ﴾ أي: يُوسِّع لهم بالرزق اختبارًا لهم.
﴿وَیَقۡدِرُۚ﴾ أي: يُضيِّق بالرزق على من يشاء اختبارًا لهم أيضًا.
﴿۞ قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ﴾ أي: أكثَرُوا من المعاصي وتمادَوا فيها.
﴿لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ﴾ نداءٌ جميلٌ وودودٌ يقذف في النفس روح الخير والأمل، والاستعداد للتغيير نحو الأفضل والأصلح.
﴿إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ﴾ فالله سبحانه لا تضره ذنوبنا، ورحمته أوسع من أن تضيق بنادمٍ أو مُستغفرٍ
﴿وَأَنِیبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ﴾ فهذا هو المطلوبُ من العبد إذا وقع في الذنب تذكَّرَ واستغفَر، وإذا ابتعَدَ في الغفلة رجَعَ وأنابَ.
﴿وَٱتَّبِعُوۤاْ أَحۡسَنَ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكُم مِّن رَّبِّكُم﴾ أي: القرآن، فهو الكتاب المُهيمِن على كلِّ الكتب السابقة، وهو رسالةُ الله الأخيرة الذي تعهَّدَ الله بحفظه، فلا تشُوبُه زيادةٌ ولا نُقصانٌ، بخلاف الكتب الأخرى.
﴿أَن تَقُولَ نَفۡسࣱ یَـٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِی جَنۢبِ ٱللَّهِ﴾ هذه غاية الحسرة والندامة؛ أن يرى الإنسان نفسه أمام الله ضائعًا عابثًا فرَّط في حياته الدنيا حتى أقبل على الله بلا شيءٍ إلَّا الذنب والغفلة والإعراض، ومعنى
﴿عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِی جَنۢبِ ٱللَّهِ﴾ أي: على ما قصَّرتُ بحقِّ الله .
﴿لَوۡ أَنَّ لِی كَرَّةࣰ﴾ أي: عودة ثانية إلى الحياة الدنيا.
﴿بَلَىٰ قَدۡ جَاۤءَتۡكَ ءَایَـٰتِی فَكَذَّبۡتَ بِهَا وَٱسۡتَكۡبَرۡتَ﴾ تنبيهٌ إلى أنّ الاستِكبار أصلٌ في كلِّ ضلالة.
﴿وَیُنَجِّی ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡاْ بِمَفَازَتِهِمۡ﴾ أي: بالفوز الذي نالُوه، وهو هنا الجنَّة.
﴿لَّهُۥ مَقَالِیدُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ﴾ أي: له مُلْكُها وخزائنُها.
﴿وَلَقَدۡ أُوحِیَ إِلَیۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكَ لَىِٕنۡ أَشۡرَكۡتَ لَیَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ وحاشاه
ﷺ من الشرك، وإنّما الخطاب من خلاله للناس كافَّة، وتوجيه الخطاب له
ﷺ فيه من تعظيم الأمر والتنبيه إلى خطره ما لا يخفى، وفيه أيضًا تيئيس المشركين من استمالته
ﷺ مهما بذَلُوا ومكَرُوا.
﴿بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ﴾ تنبيهٌ إلى صِلةِ التوحيد بالشكر، فمن شَكَرَ الله على نعمائه قادَه هذا الشكرُ إلى إخلاصِ الدين لله، ومن آمَنَ بالله حقَّ الإيمان دفَعَه هذا الإيمان لتحقيق الشكر أيضًا.