أي: {آمنوا} بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر خيرِه وشرِّه على الوجه الذي أمروا به علماً وتصديقاً وإقراراً. {وعملوا الصالحات}: الناشئة عن الإيمان، وهذا يشمل سائر المأمورات من واجبٍ ومستحبٍّ؛ الذي على القلب، والذي على اللسان، والذي على بقيَّة الجوارح؛ كل له من الثواب المرتَّب على ذلك بحسب حاله ومقامه وتكميله للإيمان والعمل الصالح، ويَفُوتُه ما رُتِّب على ذلك بحسب ما أخلَّ به من الإيمان والعمل، وذلك بحسب ما علم من حكمة الله ورحمته، وكذلك وعده الصادق الذي يُعرَف من تتبُّع كتاب الله وسنة رسوله، ولهذا ذكر الثواب المرتَّب على ذلك بقوله: {سَنُدْخِلُهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار}: فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ من أنواع المآكل والمشارب اللذيذة، والمناظر العجيبة، والأزواج الحسنة، والقصور والغرف المزخرفة، والأشجار المتدلِّية، والفواكه المستغربة، والأصوات الشجيَّة، والنعم السابغة، وتزاور الإخوان وتذكُّرهم ما كان منهم في رياض الجنان، وأعلى من ذلك [كُلِّه] وأجلُّ؛ رضوان الله عليهم وتمتُّع الأرواح بقربه والعيون برؤيته والأسماع بخطابه الذي يُنسيهم كلَّ نعيم وسرور، ولولا الثباتُ من الله لهم؛ لطاروا وماتوا من الفرح والحبور؛ فلله ما أحلى ذلك النعيم! وما أعلى ما أنالهم الربُّ الكريم! وما حصل لهم من كل خير وبهجة لا يصفه الواصفون! وتمام ذلك وكماله الخلودُ الدائم في تلك المنازل العاليات. ولهذا قال: {خالدين فيها أبداً وَعْدَ الله حقًّا ومن أصدق من الله قيلاً}: فصدق الله العظيم الذي بلغ قوله وحديثه في الصدق أعلى ما يكون، ولهذا لما كان كلامه صدقاً، وخبره صدقاً ؛ كان ما يدلُّ عليه مطابقةً وتضمناً وملازمةً؛ كل ذلك مرادٌ من كلامه، وكذلك كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ لكونه لا يخبر إلاَّ بأمرِهِ ولا ينطق إلاَّ عن وحيه.