ثم ذكر تحقيق موالاة المنافقين للكافرين ومعاداتهم للمؤمنين، فقال:
{الذين يتربَّصون بكم}؛ أي: ينتظِرون الحالة التي تصيرون عليها، وتنتهون إليها من خيرٍ أو شرٍّ، قد أعدُّوا لكلِّ حالةٍ جواباً بحسب نفاقهم؛
{فإن كان لكم فتحٌ من الله قالوا ألم نكن معَكُم}؛ فيظهرون أنَّهم مع المؤمنين ظاهراً وباطناً؛ لِيَسْلَموا من القَدْح والطَّعْنِ عليهم ولِيُشْرِكوهم في الغنيمة والفيء ولينْتَصرُوا بهم.
{وإن كان للكافرين نصيبٌ}: ولم يقلْ: فتحٌ؛ لأنه لا يحصل لهم فتحٌ يكون مبدأ لنصرتهم المستمرة، بل غايةُ ما يكون أن يكون لهم نصيبٌ غير مستقرٍّ حكمة من الله؛ فإذا كان ذلك؛
{قالوا ألم نستَحوِذْ عليكم}؛ أي: نستولي عليكم
{ونمنَعْكم من المؤمنين}؛ أي: يتصنَّعون عندهم بكفِّ أيديهم عنهم مع القدرة، ومنعهم من المؤمنين بجميع وجوه المنع من تفنيدهم وتزهيدهم في القتال ومظاهرة الأعداء عليهم وغير ذلك مما هو معروفٌ منهم.
{فاللهُ يحكمُ بينكم يوم القيامة}: فيجازي المؤمنين ظاهراً وباطناً بالجنة، ويعذِّب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات.
{ولَن يَجْعَلَ الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}؛ أي: تسلُّطاً واستيلاءً عليهم، بل لا تزال طائفة من المؤمنين على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا مَن خالفهم، ولا يزال الله يحدِثُ من أسباب
النصر للمؤمنين ودفع تسليط الكافرين ما هو مشهودٌ بالعيان، حتى أنَّ بعض المسلمين الذين تحكمهم الطوائف الكافرة قد بقوا محترمين، لا يتعرَّضون لأديانهم ولا يكونون مستصغَرين عندهم، بل لهم العزُّ التامُّ من الله، فلله الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.