يمتنُّ تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة والأنوار السَّاطعة، ويقيمُ عليهم الحجَّة، ويوضِّح لهم المحجَّة، فقال: {يا أيُّها الناس قد جاءكم برهانٌ من ربِّكم}؛ أي: حججٌ قاطعةٌ على الحقِّ تبيِّنه وتوضِّحه وتبيِّن ضدَّه، وهذا يشمل الأدلَّة العقليَّة والنقليَّة، والآيات الأفقيَّة والنفسيَّة، {سَنُريهم آياتِنا في الآفاق وفي أنْفُسِهِم حتَّى يتبيَّنَ لهم أنه الحقُّ}، وفي قوله: {مِن ربِّكم}: ما يدلُّ على شرف هذا البرهان وعظمتِهِ؛ حيث كان من ربِّكم الذي ربَّاكم التربية الدينيَّة والدنيويَّة؛ فمن تربيته لكم التي يُحمد عليها، ويُشكر أن أوصل إليكم البيِّنات ليهدِيَكم بها إلى الصِّراط المستقيم والوصول إلى جنَّات النعيم. وأنزل {إليكم نُوراً مبيناً}، وهو هذا القرآن العظيم، الذي قد اشتمل على علوم الأوَّلين والآخِرين والأخبار الصَّادقة النافعة والأمر بكلِّ عدل وإحسانٍ وخيرٍ والنهي عن كلِّ ظلم وشرٍّ؛ فالناسُ في ظلمةٍ إنْ لم يستَضيئوا بأنوارِهِ، وفي شقاءٍ عظيم إن لم يقتَبِسوا من خيرِهِ.