ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونهنَّ حقوقَهنَّ، خصوصاً الصداق الذي يكون شيئاً كثيراً ودفعةً واحدةً يشقُّ دفعُه للزوجةِ؛ أمرهم وحثَّهم على إيتاء النساء {صَدُقاتهنَّ}، أي: مهورهنَّ {نِحْلَةً}؛ أي: عن طيب نفس وحال طمأنينة؛ فلا تمطلوهنَّ أو تبخسوا منه شيئاً؛ وفيه أن المهر يُدْفَع إلى المرأة إذا كانت مكلفةً، وأنها تملكه بالعقد؛ لأنه أضافه إليها، والإضافة تقتضي التمليك؛ {فإن طبن لكم عن شيء منه}؛ أي: من الصداق {نفساً}؛ بأن سَمَحْنَ لكم عن رضا واختيار بإسقاط شيء منه أو تأخيره أو المعاوضة عنه؛ {فكلوه هنيئاً مريئاً}؛ أي: لا حرج عليكم في ذلك ولا تَبِعَة. وفيه دليل على أن للمرأة التصرف في مالها ولو بالتبرع إذا كانت رشيدةً؛ فإن لم تكن كذلك؛ فليس لعطيَّتِها حكم، وأنه ليس لوليها من الصداق شيء غير ما طابت به. وفي قوله: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء}: دليلٌ على أن نكاح الخبيثة غير مأمور به، بل منهيٌّ عنه كالمشركة وكالفاجرة؛ كما قال تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ}، وقال: {الزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشركٌ}.