ثم أمر بطاعتِهِ وطاعة رسولِهِ، وذلك بامتثال أمرهما الواجب والمستحبِّ واجتناب نهيهِما، وأمر بطاعة أولي الأمر، وهم الولاة على الناس من الأمراء والحكَّام والمفتين؛ فإنَّه لا يستقيمُ للناس أمرُ دينهم ودُنياهم إلاَّ بطاعِتِهم والانقيادِ لهم. طاعةً لله ورغبةً فيما عنده، ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصية الله؛ فإنْ أمروا بذلك؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السرُّ في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذِكْرِهِ مع طاعة الرسول؛ فإنَّ الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومَنْ يُطِعْهُ؛ فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر؛ فشرطُ الأمرِ بطاعتهم أن لا يكونَ معصيةً. ثم أمَرَ بردِّ كلِّ ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى الرسول ؛ أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإنَّ فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافيَّة: إمَّا بصريحهما أو عمومهما أو إيماءٍ أو تنبيهٍ أو مفهوم أو عموم معنى يُقاسُ عليه ما أشبهه؛ لأنَّ كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناءُ الدين، ولا يستقيم الإيمان إلاَّ بهما؛ فالردُّ إليهما شرطٌ في الإيمان؛ فلهذا قال: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}: فدلَّ ذلك على أنَّ من لم يردَّ إليهما مسائلَ النزاع؛ فليس بمؤمن حقيقةً، بل مؤمنٌ بالطاغوت؛ كما ذكر في الآية بعدها. {ذلك}؛ أي: الردُّ إلى الله ورسوله، {خيرٌ وأحسنُ تأويلاً}؛ فإنَّ حُكم الله ورسوله أحسنُ الأحكام وأعدلُها وأصلحُها للناس في أمر دينهم ودُنياهم وعاقبتهم.