يخبر تعالى أنَّه لو كَتَبَ على عباده الأوامرَ الشاقَّة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الدِّيار؛ لم يفعلْه إلا القليلُ منهم والنادرُ؛ فَلْيَحْمَدوا ربَّهم ولْيَشْكُروه على تيسير ما أمَرَهم به من الأوامر التي تَسْهُلُ على كلِّ أحدٍ ولا يشقُّ فعلُها، وفي هذا إشارةٌ إلى أنه ينبغي أن يَلْحَظَ العبدُ ضدَّ ما هو فيه من المكروهات؛ لتخفَّ عليه العباداتُ، ويزدادَ حمداً وشكراً لربِّه. ثم أخبر أنَّهم لو {فعلوا ما يُوعَظونَ به}؛ أي: ما وُظِّفَ عليهم في كلِّ وقتٍ بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفَّروا نفوسهم للقيام به وتكميله، ولم تطمح نفوسهم لما لم يَصِلوا إليه، ولم يكونوا بصدده، وهذا هو الذي ينبغي للعبد أن ينظر إلى الحالة التي يلزمُهُ القيام بها، فيكملها، ثم يتدرَّج شيئاً فشيئاً، حتى يصلَ إلى ما قُدِّر له من العلم والعمل في أمر الدين والدُّنيا، وهذا بخلاف من طمحتْ نفسُهُ إلى أمرٍ لم يصلْ إليه ولم يؤمرْ به بعدُ؛ فإنه لا يكاد يصل إلى ذلك بسبب تفريق الهمة وحصول الكسل وعدم النشاط؛ ثم رتَّب ما يحصُلُ لهم على فعل ما يوعظون به، وهو أربعةُ أمورٍ: أحدها: الخيريَّةَ في قوله: {لكان خيراً لهم}؛ أي: لكانوا من الأخيار المتَّصفين بأوصافِهِم من أفعال الخير التي أُمروا بها؛ أي: وانتفى عنهم بذلك صفة الأشرار؛ لأنَّ ثبوت الشيء يستلزم نفي ضدِّه. الثاني: حصول التثبيت والثبات وزيادتُه؛ فإنَّ الله يثبِّتُ الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان الذي هو القيام بما وُعِظوا به، فيثبِّتُهم في الحياة الدُّنيا عند ورود الفتن في الأوامر والنواهي والمصائب، فيحصُل لهم ثباتٌ يوفَّقون به لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفسُ فعلها وعند حلول المصائب التي يكرهها العبدُ، فيوفَّق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرِّضا أو للشكر، فينزل عليه معونةٌ من الله للقيام بذلك، ويحصُلُ لهم الثبات على الدين عند الموت وفي القبر. وأيضاً؛ فإن العبد القائم بما أمر به لا يزال يتمرَّن على الأوامر الشرعية حتى يألفَها ويشتاقَ إليها وإلى أمثالها فيكون ذلك معونةً له على الثبات على الطاعات.