هذا حثٌّ من الله لعبادِهِ المؤمنين وتهييجٌ لهم على القتال في سبيله، وأنَّ ذلك قد تعيَّن عليهم وتوجَّه اللوم العظيم عليهم بتركِهِ، فقال: {وما لكم لا تقاتِلون في سبيل اللهِ}؛ والحالُ أنَّ المستضعفين من الرجال والنساءِ والولدان الذين لا يستطيعونَ حيلةً ولا يهتدونَ سبيلاً، ومع هذا فقد نالهم أعظم الظُّلم من أعدائهم؛ فهم يدعون الله أن يخرِجَهم من هذه القريةِ الظالم أهلُها لأنفسهم بالكفرِ والشركِ، وللمؤمنينَ بالأذى والصدِّ عن سبيل الله، ومنعِهِم من الدعوة لدينهم والهجرة، ويدعونَ الله أن يجعلَ لهم وليًّا ونصيراً يستنقِذُهم من هذه القرية الظالم أهلُها، فصار جهادُكم على هذا الوجه من باب القتال والذَّبِّ عن عَيْلاتِكم وأولادِكم ومحارِمِكم؛ لأنَّ بابَ الجهادِ الذي هو الطمعُ في الكفارِ؛ فإنه وإن كان فيه فضلٌ عظيمٌ ويُلامُ المتخلِّفُ عنه أعظم اللوم ؛ فالجهادُ الذي فيه استنقاذُ المستضعفينَ منكُم أعظمُ أجراً وأكبرُ فائدةً بحيث يكونُ من باب دفع الأعداءِ.