هذه الحالة أفضل أحوال العبد؛ أن يجتهدَ في نفسه على امتثال أمر الله من الجهاد وغيره، ويحرِّض غيره عليه، وقد يعدم في العبد الأمران أو أحدهما؛ فلهذا قال [اللهُ] لرسوله: {فقاتِلْ في سبيل الله لا تُكَلَّفُ إلا نفسَك}؛ أي: ليس عليك قدرة على غير نفسك، فلن تُكَلَّفَ بفعل غيرك. {وحرِّضِ المؤمنين} على القتال، وهذا يشمل كلَّ أمر يحصُل به نشاط المؤمنين وقوَّة قلوبهم؛ من تقويتهم، والإخبار بضَعْف الأعداء وفشلهم، وبما أعدَّ الله للمقاتلين من الثواب، وما على المتخلِّفين من العقاب؛ فهذا وأمثاله كلُّه يدخُل في التحريض على القتال. {عسى الله أن يكفَّ بأس الذين كفروا}؛ أي: بقتالِكم في سبيل الله وتحريض بعضِكم بعضاً. {والله أشدُّ بأساً}؛ أي: قوة وعزَّة، {وأشدُّ تنكيلاً}: بالمذنب في نفسه وتنكيلاً لغيره؛ فلو شاء تعالى؛ لانتصر من الكفار بقوَّته، ولم يجعلْ لهم باقيةً، ولكن من حكمتِهِ يبلو بعض عبادِهِ ببعض؛ ليقوم سوق الجهاد، ويحصُل الإيمان النافع إيمان الاختيار لا إيمان الاضطرار، والقَهْر الذي لا يفيدُ شيئاً.