سورة النساء تفسير مجالس النور الآية 74

۞ فَلۡیُقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِینَ یَشۡرُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا بِٱلۡأَخِرَةِۚ وَمَن یُقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَیُقۡتَلۡ أَوۡ یَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِیهِ أَجۡرًا عَظِیمࣰا ﴿٧٤﴾

تفسير مجالس النور سورة النساء


المجلس الأربعون: التربية العسكرية


من الآية (71- 87)


القرآن كتاب الأمّة ومصدر معارفها وتشريعاتها وتصوراتها، والأمّة فيها العسكريون والمدنيون، وفيها الدعاة والقضاة، وفيها العلماء والمتعلمون، وكلّ هؤلاء إنما يجدون ضالّتهم في هذا الكتاب، وهنا نقطة منهجيَّة قلَّ من يتنبَّه لها؛ وهي أن آيات القرآن يقرؤها كلُّ هؤلاء جملةً واحدةً دون تبويبٍ أو عناوين فرعيةٍ.
وهنا قد يختلط الأمر بين الآية التي تخصُّ الجندي وبين الآية التي تخصُّ المدني، وبين الآية التي توجِّه القضاة وأصحاب السلطان، وبين الآية التي توجِّه الأفراد، وهذا ولَّد إشكالًا عمليًّا خطيًرا؛ فقارئُ القرآن قد يتحوَّل إلى كلِّ هؤلاء فهو الحاكم والقاضي والجندي والقائد والداعية ... الخ؛ فتتكوَّن شخصية مضطربة يصعب التنبُّؤ بتصرُّفاتها؛ لأنَّك لا تدري ما الذي سيستحضره من الآيات في مواجهة أيِّ حدثٍ أو استفزازٍ يتعرض له!
من هنا كان لا بُدَّ من فرز المجالات التي يتناولها القرآن الكريم، خاصة تلك التي تتطلب نهجًا مختلفًا وخاصًا في الإعداد والتوجيه كالمجال العسكري، وهذا الفرز هو في الجانب العملي حصرًا.
أما التلاوة والتدبُّر والمعرفة فهي واجبات لا تُفرِّق بين مسلم وآخر، فالأمَّة كلُّها رجالًا ونساءً يلتَقُون على هذا القرآن، ثم بعد هذا ينطلِقون في تخصُّصاتهم ومجالاتهم المختلفة، فالنهج الشمولي للقرآن لا يستَدعِي تكوين الشخصيَّة الشموليَّة، ولا حتى الجماعة الشموليَّة، وهذا من الأخطاء المنهجية التي جرَّت على الأمَّة البلايا والرزايا.
في هذه الآيات معالم واضحة لما يمكن تسميته بالتربية العسكريّة للقائد والجندي، وهي تربية لها خصوصيّتها من بين كلِّ مجالات التربية، وهذا أمرٌ معلومٌ ومعتادٌ في كلِّ أمم الأرض وشعوبها مهما اختلفت دياناتهم وثقافاتهم:

المَعلَمُ الأول: الحذر:
﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ﴾ والحذر هنا: اليقظة والاستعداد التام والدائم لكلّ طارئ، ويلاحظ هنا أن الأسلوب القرآني جاء بصيغة الأمر السريع والحاسم والمباشر﴿خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ﴾ وكأنَّه أمر عسكري لا يحتمل سوى سرعة التنفيذ.
ثم أطلق ولم يقيِّد الجانب الذي ينبغي الحذر منه، ليفيد كلَّ الجوانب مرة واحدة؛ وليكون الحذر جزءًا من شخصية العسكري في كلِّ ظرفٍ ووقتٍ.
المَعلَمُ الثاني: السرِّيَّة:
﴿وَإِذَا جَاۤءَهُمۡ أَمۡرࣱ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُوْلِی ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِینَ یَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ﴾ فالأخبار والمعلومات وكذا الإشاعات لا ينبغي تداولها إلا مع القيادة، وشهوة الكلام والثرثرة تتنافى تمامًا مع شخصية العسكري، سواء أكان في الميدان أم خارج الميدان.
المَعلَمُ الثالث: المبادرة بتنفيذ الأمر:
﴿وَإِنَّ مِنكُمۡ لَمَن لَّیُبَطِّئَنَّ﴾ ﴿وَیَقُولُونَ طَاعَةࣱ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنۡ عِندِكَ بَیَّتَ طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُمۡ غَیۡرَ ٱلَّذِی تَقُولُۖ﴾ هؤلاء الذين لهم حساباتهم الخاصة، فهم لم يتربّوا على السمع والطاعة، بل هم ينظرون في الأحداث ومآلاتها وما يمكن أن ينالهم منها ﴿فَإِنۡ أَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةࣱ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ﴾ هؤلاء ليسوا جنودًا بل تجَّار يكثرون عند الطمع، ويقلُّون عند الفزع.
ولا يبعد عن هؤلاء أولئك الذين لا يتحرَّكون إلا وفق قناعتهم الذاتيَّة، وكأن كلَّ واحدٍ منهم هو صاحب القرار، وهو الذي ينبغي أن يطَّلِع على كامل الخطَّة العسكريَّة وتفاصيلها واحتمالاتها، وهو لا يفرِّق بين التربية العلميَّة والثقافيَّة وبين هذه التربية، وبقدر هذا الخطأ التربوي يكون خطأ الذي يحاول نقل هذه التربية إلى حلقات العلم والدعوة والعمل السياسي.
هذا الخلطُ في النصوص ومجالات عملها قد ولَّد مثل هذا الارتباك والفوضى، واختلال الموازين.
المَعلَمُ الرابع: الروح القتاليَّة:
﴿۞ فَلۡیُقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِینَ یَشۡرُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا بِٱلۡأَخِرَةِۚ وَمَن یُقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَیُقۡتَلۡ أَوۡ یَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِیهِ أَجۡرًا عَظِیمࣰا﴾، ﴿فَقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۖ﴾، وقد حذّر القرآن من الضعف والتردد والخوف ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۡ یَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡیَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡیَةࣰۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَیۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَاۤ أَخَّرۡتَنَاۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ قَرِیبࣲۗ﴾.
ومن الواضح أن هؤلاء ليسوا منافقين بل هم من أهل الإيمان، ولكنّ الضعف البشري وارد خاصة في مثل هذا الموضوع، والقرآن إنما سجّل هذا الموقف ليكون محطّ اهتمام القادة والمربّين، فمهما كانت الثقة بالجند فإن حالات الضعف والتردد والخوف من الموت واردة، والمطلوب محاصرة هذه الحالات والتقليل منها ومعالجة المتبقّي منها بمختلف الوسائل المناسبة.
المَعلَمُ الخامس: الجُهد المكافئ للهدف:
﴿فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِیعࣰا﴾ فالنفير للحرب ينبغي أن يكون وفق الخطة المناسبة للهدف ولطبيعة الحرب وحجم التحدِّيات والقوّة المقابلة، فنفرة الجميع بدافع الإيمان أو العاطفة ليس مطلوبًا في كلِّ حال، بل قد يكون عِبئًا وضررًا ويأتي بالنتائج المعكوسة، وكذا نفير المجموعات الصغيرة من غير مشورةٍ أو تنسيقٍ في مواجهة حشدٍ كبيرٍ قد هيأ نفسه وأعدَّ عدَّته.
وهذا التخيير ﴿أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِیعࣰا﴾ ليس تخيير العفو والسعة وإنما تخيير المسؤوليّة، فالقيادة تتحمّل مسؤوليتها في اختيار الطريقة الأنسب؛ لأنَّ هذا يُقدَّر بقدره في ظرفٍ ووقتٍ، ولا يمكن أن يُحدَّد بالوحي.
المَعلَمُ السادس: شرعية القتال:
﴿ٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱلـلَّــهِۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُواْ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱلطَّـٰغُوتِ﴾، ﴿وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰ⁠نِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا﴾ فالقتال الإسلامي ليس لفرض الهيمنة لقوم على قوم، ولا لقبيلة على قبيلة، ولا من أجل الاستحواذ على خيرات البلاد الأخرى، بل هو قتالٌ في سبيل الله، والله هو رب العالمين جميعًا.
وقد جاء الحديث عن المستضعفين والمظلومين امتدادًا أو قرينًا لسبيل الله، تأكيدًا لهذا المعنى؛ فالقتال في الإسلام إنما كان لكفّ الظلم والعدوان، ثم ترك الناس أحرارًا في خياراتهم وانتماءاتهم ونشاطاتهم، وهذا تصريح القرآن بما لا يحتمل التأويل ﴿لَاۤ إِكۡرَاهَ فِی ٱلدِّینِۖ﴾ [البقرة: 256].
المَعلَمُ السابع: التمييز وتحديد جهة العدو:
﴿مَّن یَشۡفَعۡ شَفَـٰعَةً حَسَنَةࣰ یَكُن لَّهُۥ نَصِیبࣱ مِّنۡهَاۖ وَمَن یَشۡفَعۡ شَفَـٰعَةࣰ سَیِّئَةࣰ یَكُن لَّهُۥ كِفۡلࣱ مِّنۡهَاۗ﴾، ﴿وَإِذَا حُیِّیتُم بِتَحِیَّةࣲ فَحَیُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَاۤ أَوۡ رُدُّوهَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءٍ حَسِیبًا﴾، فالناس ليسوا سواءً، لا داخل الصف ولا خارجه، وإذا كان العدل وتمييز الصالح من الفاسد مطلوبًا داخل الصفّ فإن تمييز الآخرين ودراسة مواقفهم لا يقلّ أهمية عن ذلك، فليس كل كافر عدوًّا، وليس كلُّ مخالفٍ مُسِيئًا.
وهذا ما أكَّدَتْه سورة الممتحنة بشكل أوضح وأدق، وأدب التحيَّة في الإسلام معروف، وهو جزءٌ من الآداب الاجتماعية التواصليَّة، بَيْدَ أنَّ وروده هنا له إيحاءات لا تخفى تتعلق بمواقف الآخرين من الأمم والدول، فهو ذو بُعدٍ سياسيٍّ أكثر من بعده الاجتماعي، يؤكِّد هذا قوله في الآيات الآتيات: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَنۡ أَلۡقَىٰۤ إِلَیۡكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنࣰا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِیرَةࣱۚ﴾.
المَعلَمُ الثامن: تحمُّل المسؤوليَّة:
﴿مَّاۤ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةࣲ فَمِنَ ٱلـلَّــهِۖ وَمَاۤ أَصَابَكَ مِن سَیِّئَةࣲ فَمِن نَّفۡسِكَۚ﴾ والحسنة هنا: الخير كالنصر والغلبة، والسيئة هنا: الشرُّ وما يصيب الجيش من مشقَّة وخسارة، والمؤمن ينسب كلَّ خيرٍ إلى الله، وإن كان قد باشر هو العمل واتخذ السبب، وينسب كلَّ شر لنفسه وإن كان بقَدَر الله؛ لأن هذا القدر وفق سنن الله المبثوثة في هذا الكون، والتي لا تُحابِي ولا تظلم أحدًا، وهذا مجمع الآيتين؛ آية: ﴿قُلۡ كُلࣱّ مِّنۡ عِندِ ٱلـلَّــهِۖ﴾، وآية: ﴿وَمَاۤ أَصَابَكَ مِن سَیِّئَةࣲ فَمِن نَّفۡسِكَۚ﴾ فالإنسان ينبغي أن يتحمَّل مسؤوليته كاملةً عن كل تصرُّفاته ولا يعتذر بالقدر، أما القائد فهو يتحمَّل المسؤولية المركَّبة؛ لأن تصرُّفَه لا ينعكس على نفسه فقط، ومن هنا جاء النص: ﴿لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ﴾ أي: التكليف العام بإدارة القتال والإعداد له، واتخاذ الأسباب اللازمة، وتحريض الجُند وتدريبهم.
المَعلَمُ التاسع: التربية الإيمانيَّة:
وهي القاعدة الأساس التي ينبني عليها كلّ عملٍ تربويٍّ وفي كلّ المجالات، والجندي بحاجة إلى هذه التربية واستحضارها أكثر من غيره لثقل المسؤولية التي يتحملها، وللدقّة المطلوبة منه والسرعة في التنفيذ.
من هنا جاءت الآيات تعالج كلَّ جوانب الضعف والتردد بخطاب إيمانيٍّ تعبويٍّ يرفع من مستوى الهِمَّة والجاهزية المطلوبة للتنفيذ ﴿ٱلَّذِینَ یَشۡرُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا بِٱلۡأَخِرَةِۚ﴾، ﴿أَیۡنَمَا تَكُونُواْ یُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِی بُرُوجࣲ مُّشَیَّدَةࣲۗ﴾، ﴿قُلۡ مَتَـٰعُ ٱلدُّنۡیَا قَلِیلࣱ وَٱلۡأَخِرَةُ خَیۡرࣱ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ﴾ ولترسيخ هذه المعاني يأتي الأمر بتدبُّر القرآن فهو عدَّة الجندي ودافعه الأول للعمل والتضحية ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﭾ﴾.


﴿ثُبَاتٍ﴾ جماعات وسرايا متفرِّقة ﴿أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِیعࣰا﴾ هو ما يسمَّى اليوم بالنفير العام أو التعبئة العامَّة، وهذا لا يكون إلا في حالة الحرب الشاملة وتعرُّض الأمة للغزو الكبير الذي يهدد وجودها واستقرارها.
﴿إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَهِیدࣰا﴾ أي: حاضرًا، كأنه فرِحٌ بقعوده وشامت بما أصاب المسلمين، وهو دأب المنافقين في كلِّ نكسة.
﴿یَشۡرُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا﴾ يبيعونها طلبًا للآخرة.
﴿وَمَن یُقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَیُقۡتَلۡ أَوۡ یَغۡلِبۡ﴾ هذه سنَّة الله في الحرب، والمسلم ليس استثناء من هذا، بَيْدَ أنه ينتظر الأجر العظيم من الله في كلتا الحالتين.
﴿وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ﴾ أي: من أجل إنقاذ المستضعفين وتخليصهم من وطأة الظالمين، وهذه سبيل لا تختلف عن سبيل الله بحال.
﴿ٱلطَّـٰغُوتِ﴾ من الطغيان وهو المتجاوز لحدِّه وحقِّه، ثم استعملت اللفظة في كلِّ مَن حادَّ الله ورسوله، أو تجبَّر وطغَى على عباد الله وسامَهم سوء المعاملة.
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ قِیلَ لَهُمۡ كُفُّوۤاْ أَیۡدِیَكُمۡ﴾ كان هذا في مكة؛ حيث لم يُؤذَن للمسلمين بالقتال، فكان بعض المسلمين يتمنَّون لو أَذِنَ الله لهم بالقتال ليردُّوا عذاب قريش وتنكيلها، فلما استقرُّوا في المدينة تراخَوا عن القتال، وهؤلاء مؤمنون وليسوا من النفاق في شيءٍ، لكنَّه الضعف البشري الذي لا يخلو منه جيل أو مجتمع.
﴿بُرُوجࣲ مُّشَیَّدَةࣲۗ﴾ الأبنية المنيعة والعالية التي لا يصل إليها الخطر من سيلٍ ونحوه، لكنَّ الأجل يصلها ويصل غيرها.
﴿مَّن یُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱلـلَّـهَۖ﴾ ليس فيه تعظيمٌ لشأن النبيِّ إلى درجة اختلاط مقام النبوة بمقام الألوهيَّة، لكنه تقريرٌ واقعٌ أن النبيَّ مبلِّغٌ عن الله، وأنه لا ينطق عن الهوى بل عن الوحي، ومن ثَمَّ كانت طاعته هي طاعة لله على الحقيقة.
﴿عَسَى ٱللَّهُ أَن یَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِینَ كَفَرُواْۚ﴾ برجوعهم إن علموا قوة المسلمين واستعدادهم، أو بدحرهم في المعركة، والعبارة فيها إيحاء أن المسلمين ليسوا حريصين على المواجهة، فالهداية أحب إليهم، وهذه غاية الرسالة الكبرى ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الأنبياء: 107].
﴿مَّن یَشۡفَعۡ شَفَـٰعَةً حَسَنَةࣰ﴾ أي: من يكون سببًا في الخير، والسياق يُوحي أنها في الشفاعة التي تعود للجند بالخير بكفِّ عدوٍّ، أو كَسبِ حَليفٍ، ونحو ذلك، فله نصيب من الأجر، بخلاف شفاعة السوء.
﴿وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ مُّقِیتࣰا﴾ أي: حفيظًا ومقتدرًا، فلا تغيب عنه نوايا الشفعاء، ولا يعجز عن مجازاتهم.