سورة غافر تفسير السعدي الآية 29

یَـٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡیَوۡمَ ظَـٰهِرِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَمَن یَنصُرُنَا مِنۢ بَأۡسِ ٱللَّهِ إِن جَاۤءَنَاۚ قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَاۤ أُرِیكُمۡ إِلَّا مَاۤ أَرَىٰ وَمَاۤ أَهۡدِیكُمۡ إِلَّا سَبِیلَ ٱلرَّشَادِ ﴿٢٩﴾

تفسير السعدي سورة غافر

ثم حذَّر قومه ونَصَحهم وخوَّفهم عذابَ الآخرة ونهاهم عن الاغترار بالمُلْك الظاهر، فقال: {يا قوم لكم الملكُ اليومَ}؛ أي: في الدنيا {ظاهرين في الأرض}: على رعيَّتِكم تنفِّذون فيهم ما شئتم من التدبير؛ فهَبْكم حصل لكم ذلك وتمَّ ولن يتمَّ؛ {فَمن ينصرُنا من بأس الله}؛ أي: عذابه {إن جاءنا}. وهذا من حسن دعوتِهِ؛ حيث جعلَ الأمرَ مشتركاً بينه وبينهم بقوله: {فمن ينصُرُنا}، وقوله: {إن جاءنا}؛ ليفهِمَهم أنَّه ينصحُ لهم كما ينصحُ لنفسه ويرضى لهم ما يرضى لنفسه، فَـ {قَالَ فرعونُ}: معارضاً له في ذلك ومغرِّراً لقومه أن يتَّبعوا موسى: {ما أريكم إلاَّ ما أرى وما أهديكم إلاَّ سبيل الرشادِ}: وصدق في قوله: {ما أريكم إلاَّ ما أرى}، ولكن ما الذي رأى؟! رأى أن يستخفَّ قومَه فيتابعوه ليقيمَ بهم رياسته، ولم يَرَ الحقَّ معه، بل رأى الحقَّ مع موسى وجحد به مستيقناً له، وكذب في قوله: {ما أهديكم إلاَّ سبيل الرشادِ}؛ فإنَّ هذا قلبٌ للحقِّ؛ فلو أمرهم باتِّباعه اتِّباعاً مجرداً على كفره وضلاله؛ لكان الشرُّ أهونَ، ولكنه أمرهم باتِّباعه، وزعم أنَّ في اتِّباعه اتِّباعَ الحقِّ، وفي اتِّباع الحقِّ اتباعَ الضلال.