يخبرُ تعالى عن كمال لطفِهِ تعالى بعباده المؤمنين، وما قيَّض لأسباب سعادتِهِم من الأسباب الخارجة عن قُدَرِهم من استغفار الملائكةِ المقرَّبين لهم ودعائِهِم لهم بما فيه صلاحُ دينِهم وآخرتِهِم، وفي ضمن ذلك الإخبار عن شرف حملة العرشِ ومَنْ حولَه وقُرْبِهِم من ربِّهم وكثرة عبادتهم ونُصحهم لعبادِ الله لعلمهم أنَّ الله يحبُّ ذلك منهم، فقال: {الذين يحملونَ العرشَ}؛ أي: عرش الرحمن، الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها وأوسعها وأحسنها وأقربها من الله تعالى، الذي وسع الأرض والسماوات والكرسيَّ، وهؤلاء الملائكة قد وَكَلَهُمُ الله تعالى بحمل عرشه العظيم؛ فلا شكَّ أنهم من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم، واختيار الله لهم لحمل عرشه وتقديمهم في الذكر وقربهم منه يدلُّ على أنهم أفضل أجناس الملائكة عليهم السلام؛ قال تعالى: {ويحملُ عرشَ ربِّك فوقَهم يومئذٍ ثمانيةٌ}، {ومَنْ حولَه}: من الملائكة المقرَّبين في المنزلة والفضيلة، {يسبِّحون بحمد ربِّهم}: هذا مدح لهم بكثرة عبادتهم لله تعالى، وخصوصاً التسبيح والتحميد، وسائر العبادات تدخل في تسبيح الله وتحميده؛ لأنها تنزيهٌ له عن كون العبد يصرفها لغيره وحمدٌ له تعالى، بل الحمدُ هو العبادة لله تعالى، وأما قول العبد: «سبحان الله وبحمده»؛ فهو داخلٌ في ذلك، وهو من جملة العبادات، {ويستغفرون للذين آمنوا}: وهذا من جملة فوائد الإيمان وفضائله الكثيرة جدًّا؛ أن الملائكة الذين لا ذنوب عليهم يستغفرون لأهل الإيمان؛ فالمؤمن بإيمانه تسبَّب لهذا الفضل العظيم. ولمَّا كانت المغفرةُ لها لوازمُ لا تتمُّ إلا بها ـ غير ما يتبادر إلى كثير من الأذهان أنَّ سؤالَها وطلبَها غايتُهُ مجرّد مغفرة الذنوب ـ ذكر تعالى صفةَ دعائهم لهم بالمغفرة بذكر ما لا تتمُّ إلاَّ به، فقال: {ربَّنا وسعتَ كل شيء رحمة وعلماً}: فعلمك قد أحاط بكلِّ شيء، لا يخفى عليك خافيةٌ ولا يعزُبُ عن علمك مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، ورحمتُك وسعتْ كلَّ شيء؛ فالكون علويُّه وسفليُّه قد امتلأ برحمة الله تعالى، ووسعتهم، ووصل إلى ما وصل إليه خلقه، {فاغْفِرْ للذين تابوا}: من الشرك والمعاصي، {واتَّبعوا سبيلك}: باتِّباع رسلك بتوحيدك وطاعتك، {وقِهِمْ عذابَ الجحيم}؛ أي: قهم العذاب نفسه، وقِهِم أسباب العذاب.