ثم ذَكَرَ جرمَهم الكبير، فقال: {فلمَّا جاءتْهم رسلُهم بالبيناتِ}: من الكتب الإلهيَّة والخوارق العظيمة، والعلم النافع المبيِّن للهدى من الضلال والحق من الباطل، {فرحوا بما عندَهم من العلم}: المناقض لدين الرسل، ومن المعلوم أنَّ فرحهم به يدلُّ على شدَّة رضاهم به وتمسُّكهم ومعاداة الحقِّ الذي جاءت به الرسل وجعل باطلهم حقًّا، وهذا عامٌّ لجميع العلوم التي نوقِضَ بها ما جاءتْ به الرسل، ومن أحقِّها بالدُّخول في هذا، علوم الفلسفة والمنطق اليوناني الذي رُدَّت به كثيرٌ من آيات القرآن، ونَقَّصَتْ قدرَه في القلوب، وجَعَلَتْ أدلَّته اليقينيَّة القاطعة أدلَّة لفظيَّةً لا تفيدُ شيئاً من اليقين، ويقدَّم عليها عقولُ أهل السَّفه والباطل، وهذا من أعظم الإلحاد في آيات الله والمعارضة لها والمناقضة؛ فالله المستعانُ، {وحاق بهم}؛ أي: نزل ما كانوا يستهزئون به من العذاب.