﴿وَٱلَّذِینَ یُحَاۤجُّونَ فِی ٱللَّهِ﴾ أي: يجادلون في توحيده وإخلاص العبوديَّة له.
﴿مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِیبَ لَهُۥ﴾ أي: مِن بعد ما استجابَ له المؤمنون المُوحِّدُون، فآمنوا به وصدَّقوا بنبيِّهِ، وظهر الحقَّ، وقامَت الحُجَّة.
﴿حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ﴾ باطلة.
﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِیزَانَۗ﴾ الحقُّ يعني: الصدق والصواب والثبات، بخلاف الكذب والباطل والتذبذب، والميزان يعني: العدل والتوازن، فليس فيه ثغرة للظلم، ولا انحِياز لجانبٍ على جانبٍ، وهذه جملةٌ من القِيَم الرئيسة اختصَرَتْها هاتان الكلِمَتان الشريفَتَان.
﴿وَمَا یُدۡرِیكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِیبࣱ﴾ أي: وما يُعلِمُك، والعبارة تأتي عادةً لتهيئة المُخاطَب إلى الكلام الذي بعدها إشعارًا بأهميته، وقريبٌ أي: قريب زمانها، والمعنى هذا شائِعُ الاستعمال في قريبٍ وبعيدٍ ونحوهما، والله أعلَم.
﴿یَسۡتَعۡجِلُ بِهَا ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِهَاۖ﴾ على سبيل التحدِّي والاستهزاء.
﴿وَٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ مُشۡفِقُونَ مِنۡهَا﴾ خائفون وجِلون؛ لأنّ فيها الحساب، والمؤمن مهما بلغ من الطاعة يبقى خائفًا وجِلًا من ذلك اليوم، وهذا من علامات الإيمان، وهو الذي يدفعه لمحاسبة نفسه ومراقبة أعماله، وتلك حقيقة التقوى.
﴿یُمَارُونَ فِی ٱلسَّاعَةِ﴾ يجادلون في وقوعها.
﴿مَن كَانَ یُرِیدُ حَرۡثَ ٱلۡأَخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِی حَرۡثِهِۦۖ﴾ أصلُ الحرث: تهيئة الأرض لزراعتها، ثم استُعمِل في الزرع نفسه وما يكسبه الناس نتيجةَ جُهدهم وعملهم، فيكون المعنى أنّه مَن عمل للآخرة أعطاه الله أكثر مما يرجو.
﴿وَمَن كَانَ یُرِیدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡیَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِی ٱلۡأَخِرَةِ مِن نَّصِیبٍ﴾ أي: ومن عمِلَ للدنيا أعطاه الله من الدنيا بحسب جهده، والله لا يظلِمُ أحدًا، أما الآخرة فليس له نصيبٌ منها؛ لأنه لم يُؤمن بها ولم يعمَل لها.
﴿أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَـٰۤؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّینِ مَا لَمۡ یَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ﴾ تأكيدٌ لحقِّه ـ وحده في التشريع؛ فكل حُكمٍ لا يؤخذ من الوحي، أو يُستنبط منه، أو يُقصَد به تحقيق مبادئ الوحي ومقاصده فهو حكمٌ باطلٌ مُتجاوِزٌ على هذا الحقِّ الثابت لله، بحكم أنّه لا خالق لهذا الكون غيره، ولا مالك له سواه.
﴿وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِیَ بَيْنَهُمْ ۗ﴾ أي: لولا حكم الله السابق بتأخير الحساب إلى أجله المعلوم لحكم الله عليهم اليوم بما يستحِقُّون.
﴿تَرَى ٱلظَّـٰلِمِینَ مُشۡفِقِینَ مِمَّا كَسَبُواْ﴾ أي: تراهم يوم القيامة خائفين مما كانوا قد اقترفوه في الدنيا من كفرٍ وظلمٍ.
﴿وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ﴾ أي: الجزاء الذي يستحِقُّونه.
﴿قُل لَّاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِی ٱلۡقُرۡبَىٰۗ﴾ هذا استثناءٌ منقطعٌ؛ فالرسول لا يأخذ أجرًا على الدعوة أبدًا، وإنّما دعاهم لصلة الرحم والحفاظ على مودَّة القُربى التي تجمعه
ﷺ بهم، وهذا من حُسن التلطُّف بهم، وجميل التواصُل معهم.
﴿وَمَن یَقۡتَرِفۡ حَسَنَةࣰ﴾ أي: ومن يكسِب حسنةً، والاقتراف: الاكتساب، وهو مُستعملٌ في الخير والشر.
﴿أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبࣰاۖ فَإِن یَشَإِ ٱللَّهُ یَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ﴾ بمعنى أنّ الله لا يُقرُّ من يكذب عليه، فلو كان ما يقولونه صحيحًا لختم الله على قلبك وسلبك الإدراك، وأنساك كلَّ ما تقول.
﴿وَیَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَـٰطِلَ وَیُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦۤۚ﴾ هذا كلامٌ مستأنفٌ قُصِد به تأكيد سنَّة الله في إبطاله الباطل وإحقاقه الحقّ، وإنّما يعرف الحقّ بكلمات الله ووحيه الثابت لأنبيائه
عليهم السلام، والفعل (يَمْحُ) حقُّه الرفع، وإنما حُذفت الواو تخفيفًا؛ إذ لا يصح عطفه على جواب الشرط؛ لأن المعنى سيكون: فإن يشأ الله يَمحُ الباطل، كما أنّ رفع الفعل (يُحقُّ) المعطوف على (يَمْحُ) دليلٌ آخر على الرفع.
﴿وَیَسۡتَجِیبُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَیَزِیدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ﴾ أي: يستجيب الله لهم ما يرجُونه ويزيدهم فوق ذلك، هذا بدلالة السياق؛ لأنّ الفعل (يستَجِيب) جاء بين أفعال كلّها مُسنَدة إلى الله تعالى، فقبلَه جاء:
﴿وَهُوَ ٱلَّذِی یَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَیَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّیِّـَٔاتِ وَیَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ﴾، وبعده جاء:
﴿وَیَزِیدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ﴾ والله أعلم.
﴿۞ وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن یُنَزِّلُ بِقَدَرࣲ مَّا یَشَاۤءُۚ﴾ بيان لسُّنَّةٍ من سُنَن الله في الخلق؛ أنّه سبحانه لا يُنزِّل الرزقَ إلا بقَدرٍ معلومٍ، وفي هذا القَدر يتفاوَتُ الناس ليخدم بعضهم بعضًا، ولتتنوَّع المِهَن والأعمال وأسباب الرزق، أما لو فتح الله لهم الرزق ووسَّع عليهم جميعًا، فإنّ الحياة ستتوقَّف لتوقُّف كثيرٍ من الأعمال والحرف، ثم إنّ الترَف مع كونه مدعاةً للكسل والإحجام عن كثيرٍ من الأعمال، فهو كذلك مظنَّة البطر والظلم، والله أعلم.
﴿وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ﴾ تأكيدٌ لتحمُّل الإنسان مسؤوليَّته؛ فمَن كسب خيرًا نالَ خيرًا، ومَن كسب شرًّا نالَ شرًّا، والمصيبةُ هنا: ما يُصيبُ الناسَ في حياتهم الدنيا من قَحطٍ ووباءٍ، وفتنٍ وحروبٍ، فهذه قد تكون نتيجةً لعمل الشرِّ نفسِهِ، وقد تكون عقوبة إلهيَّة عاجلة لردع الظالم وتنبيه الغافل.
﴿وَمَاۤ أَنتُم بِمُعۡجِزِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۖ﴾ الخطاب للمشركين بمعنى أنّكم لا تجدون لكم مخرجًا أو مهربًا من عذاب الله وقدرته عليكم، لا في الأرض ولا في السماء.
﴿وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِ ٱلۡجَوَارِ فِی ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَـٰمِ﴾ شبَّه السفن الكبيرة وأشرعتها العالية بالجبال، مُنبِّهًا إلى قدرة الله في حمل الناس وأمتعتهم على سطح الماء وفق توازنٍ كونيٍّ دقيقٍ، فتبارك الله أحسن الخالقين.
﴿إِن یَشَأۡ یُسۡكِنِ ٱلرِّیحَ فَیَظۡلَلۡنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهۡرِهِۦۤۚ﴾ تنبيهٌ إلى التوازُن والتكامُل بين ماء البحر وحركة الريح وهذه السُّفُن العائِمَة، فلو سكَنَت الريحُ لتوقَّفَت السُّفُن، وهذا هو المعهُودُ في تلك السُّفُن الشِّراعيَّة التي لم تكن لها طاقة تُسيِّرُها سِوَى حركة الرِّيح.
﴿صَبَّارࣲ﴾ كثير الصبر.
﴿شَكُورٍ﴾ كثير الشكر.
﴿أَوۡ یُوبِقۡهُنَّ بِمَا كَسَبُواْ﴾ أي: إنّ الله قادرٌ على أن يغرقهنَّ، ويُهلِك مَن فيهنَّ عقوبة لهم على شِركهم وظلمهم، ومن رحمته سبحانه حتى بهؤلاء أن عقَّب على هذا بقوله:
﴿وَیَعۡفُ عَن كَثِیرࣲ﴾.
﴿وَیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ یُجَـٰدِلُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِنَا﴾ بالباطل تكذيبًا واستهزاءً.
﴿مَا لَهُم مِّن مَّحِیصࣲ﴾ ما لهم من مفَرٍّ ولا مهرَبٍ.