﴿حمۤ ﴿١﴾ عۤسۤقۤ﴾ تقدَّم الحديث عن الحروف المقطَّعة والرأي الراجح فيها أول سورة
البقرة.
﴿كَذَ ٰلِكَ یُوحِیۤ إِلَیۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ فمصدر الوحي لكلِّ الأنبياء واحدٌ وهو الله تعالى، وذِكْرُ العزيز الحكيم مُشْعِرٌ أنّ هذا الوحي فيه العزة والحكمة، وهما قوام الأمر.
﴿تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ یَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ﴾ أي: يتشقَّقنَ من أعلاهنَّ، أو يتشقَّقنَ من فوق الأرضين؛ لما فيها من شركٍ وظُلمٍ، و(تكاد) تُفيد استِعظامَ الأمر حتى كأنه يُوشِكُ أن يقَع، لكنّه لم يقَع، وهذا نظيرُ قوله تعالى في
سورة مريم:
﴿وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَلَدࣰا ﴿٨٨﴾ لَّقَدۡ جِئۡتُمۡ شَیۡـًٔا إِدࣰّا ﴿٨٩﴾ تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ یَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا﴾ [مريم: 88- 90].
﴿وَیَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِی ٱلۡأَرۡضِۗ﴾ الإخبار باستِغفار الملائكة لمَن في الأرض يُشعِر بالودِّ والصداقة بين المؤمنين وبين ملائكة الله المُقرَّبين، وهذا الشعور له آثارُه العمليَّة الجميلة في حياة الناس.
﴿ٱللَّهُ حَفِیظٌ عَلَیۡهِمۡ﴾ رقيبٌ عليهم يُحصِي أعمالهم ويُجازيهم بها.
﴿وَمَاۤ أَنتَ عَلَیۡهِم بِوَكِیلࣲ﴾ أي: ما أنت بمُوكَّل بِهِم ولا بمسؤولٍ عن صُدودهم وإعراضِهم.
﴿قُرۡءَانًا عَرَبِیࣰّا﴾ بلُغته وفصاحته، وهذا لا ينفي عالميَّته.
﴿أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ﴾ مكّة؛ سُمِّيت بذلك لأنّها سيّدة القرى.
﴿یَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ﴾ يوم القيامة؛ سُمِّي بذلك لاجتماع الخلائق فيه.
﴿وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ﴾ كما جعل الملائكة موحِّدين على طاعة الله، ليس فيهم عاصٍ أو مُكذّب.
﴿وَلَـٰكِن یُدۡخِلُ مَن یَشَاۤءُ فِی رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرٍ﴾ هذا الاستدراك قُصِد به بيان خصوصيَّة هذا الإنسان؛ فهو مُكلَّفٌ مُختارٌ، وهو يتحمَّلُ مسؤوليَّة اختياره، وليس مجبولًا أو مُجبَرًا بطبيعة خِلقته على فعل الخير أو الشر.
﴿وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِیهِ مِن شَیۡءࣲ فَحُكۡمُهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِۚ﴾ بحكم أنّه سبحانه هو خالق الخلق، وهو أعلم بما يُصلحهم، ومن ثَمَّ أنزل لهم هذا الوحيَ، وأقامَ عليهم الحجّة به.
﴿فَاطِرُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾ منشئها من العدم، وخالقها لا على مثالٍ سابق.
﴿لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱۖ﴾ أصلٌ من أصول العقيدة الإسلاميَّة، وركنٌ من أركان التوحيد فيها، فالله ليس كمثله شيءٌ لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.
﴿لَهُۥ مَقَالِیدُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ﴾ أي: له مُلكُها وخزائنُها.
﴿یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ﴾ أي: يُوسِّع على من يشاء في الرزق.
﴿وَیَقۡدِرُۚ﴾ أي: ويُضيِّق على من يشاء.
﴿إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ﴾ فذلك البسط وهذا التقدير إنّما يجريان بعلم الله وحكمته تعالى في خلقه.
﴿۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّینِ﴾ أي: سَنَّ لكم وأوضَحَ وبيَّن.
﴿أَنۡ أَقِیمُواْ ٱلدِّینَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِیهِۚ﴾ فإقامة الدين الحقّ تنفي الفرقة؛ لأنّها تجمَعُ القلوبَ على غايةٍ واحدةٍ، وطريقةٍ واحدةٍ.
﴿كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِینَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَیۡهِۚ﴾ أي: شقَّ عليهم اتِّباع الحقّ الذي تدعُوهم إليه.
﴿ٱللَّهُ یَجۡتَبِیۤ إِلَیۡهِ مَن یَشَاۤءُ﴾ يختار الأنبياء من بين الناس ليحملوا الدين ويبلّغوا الرسالات.
﴿وَیَهۡدِیۤ إِلَیۡهِ مَن یُنِیبُ﴾ أي: يُوفِّق للدخول في هذا الدين من يطلب الهداية ويسعى لها.
﴿وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۚ﴾ بيانٌ لسبب تفرُّق أهل الكتاب مع وجود الوحي بينهم، والسبب هو البغي، بمعنى أنّ سبب تفرقهم لم يكن عن اجتهادٍ في فهم الدين، وإنما اتِّباع الهوى والمنافسة في الباطل.
﴿وَلَوۡلَا كَلِمَةࣱ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى لَّقُضِیَ بَیۡنَهُمۡۚ﴾ أي: لولا أنّ الله حَكَمَ بتأخير العذاب عنهم إلى الأجل المُحدَّد بعلم الله وقدرته لتَمَّ الفصل بينهم والحكم عليهم.
﴿وَإِنَّ ٱلَّذِینَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ﴾ هم أحفاد أهل الكتاب الذين ورثوا الكتاب عن أجدادِهم ثم عاصروا البعثة المحمديَّة.
﴿لَفِی شَكࣲّ مِّنۡهُ﴾ أي: لفي شكٍّ مِن هذا القرآن.
﴿فَلِذَ ٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَاۤ أُمِرۡتَۖ﴾ ربط بين قيمة الصلاح والإصلاح؛ فالدعوة إلى الحقِّ قيمة، والاستقامة على الحقِّ قيمة أخرى.
﴿وَلَا تَـتَّـبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡۖ﴾ إشارةٌ إلى أنَّ الضد من الصلاح والإصلاح إنّما هو الهوى.
﴿وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبࣲۖ﴾ أمر بالإيمان بكلِّ الكُتب السماويَّة؛ تأكيدًا لوحدة الدين، وقد أكَّدَ هذا المعنى بقوله:
﴿ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ﴾.
﴿وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَیۡنَكُمُۖ﴾ تأكيدٌ لقيمة العدل، وقد أكَّد هذا بقوله:
﴿لَنَاۤ أَعۡمَـٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَـٰلُكُمۡۖ﴾ فتلخَّصَت في هذه الآية أربع قِيَم رئيسة: الصلاح، والإصلاح، والوحدة، والعدل.
﴿لَا حُجَّةَ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمُۖ﴾أي: لا مُحاجَجة، بمعنى أنّه إن تحقَّقَت هذه القِيَم فلا خصُومة بيننا ولا مُنازَعة؛ لأنّ المُحاجَجة لا تكون إلَّا بين خصمَين مُختلِفَين.
﴿ٱللَّهُ یَجۡمَعُ بَیۡنَنَاۖ﴾ أي: يوم القيامة فيَجزِي كلَّ عاملٍ بما عمل.