﴿وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنَ ٱلۡقَرۡیَتَیۡنِ عَظِیمٍ﴾ هذا قول المشركين يعترضون به على الله أن اختارَ لهم محمدًا
ﷺ، وأرادوا بالقريتَين: مكّة والطائف؛ لأنّهما أكبر قرى تِهامة، وما بين القريتين من الصِّلات أقوى من صلتهما أو إحداهما بيثرب وغيرها، ولم يسمِّ القرآن الرجُلَين، ورُبَّما لم يُصرِّح المشركون باسمهما أيضًا؛ لأنّهم إنّما أرادوا أن يختارَ الله واحدًا من عظماء مكّة، أو من عظماء الطائف، فالمهم عندهم أن يكون عظيمًا في ماله وجاهه وجبروته، وأن يكون من هاتَين القريتَين، أمَّا العلم والصدق والأمانة ومحبة الخير للناس فهذه معايير مؤخَّرةٌ عندهم.
هذا وقد ورد في كتب التفسير روايات مختلفة في تعيين الرجُلَين، ولا مانع من بَحثِها وترجيح إحداها، لكنّه مبحثٌ لا يُغيِّر من دلالة الآية شيئًا ولا من مغزاها ومعناها.
﴿أَهُمۡ یَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ﴾ هذا سؤالٌ استنكاريٌ يُنكر على المشركين جُرأتهم على الله؛ إذ يقترحون عليه سبحانه الرسولَ الذي ينبغي أن يُرسله إليهم.
﴿لِّیَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضࣰا سُخۡرِیࣰّا ۗ﴾ بيانٌ لحكمة الله في تفاوُت الرزق، وتفاوُت أسباب القوة والملك كذلك، فلولا هذا التفاوُت لما توزّع الناس على كلِّ المهن شريفها ووضيعها، وسهلها وشاقِّها، فبهذا يُسخِّرُ الله الناسَ بعضهم لبعضٍ؛ لتتكامل الحياة دون خللٍ أو اضطرابٍ.
﴿وَلَوۡلَاۤ أَن یَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ﴾ بمعنى أنّه لولا أن يفتتن الناس وينحازوا إلى الكفر فيكونوا مع الكافرين أُمَّة واحدة، وجواب (لولا) ما بعدها أي: لأعطَينا الدنيا بزينتها وزخرفها لهؤلاء المشركين؛ لأنّ الدنيا ليست هي المقياس، فهي حياةٌ زائلةٌ فانيةٌ، وإنّما العبرة بدار الخلود.
وفي هذا إشارةٌ إلى سببٍ من أسباب الفتنة، وهو تملُّك أهل الباطل لمقاليد الحياة الدنيا، والإشارة فيها جانبٌ عمليٌّ تكليفيٌّ؛ إذ واجب المسلمين أن يسدُّوا باب الفتنة هذا بحرصهم على العلوم والفنون، وأدوات التمكُّن والقوة سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وإعلاميًّا.
﴿وَمَعَارِجَ عَلَیۡهَا یَظۡهَرُونَ﴾ مصاعِد عليها يصعَدُون ويعتَلُون.
﴿وَسُرُرًا﴾ جمع سرير.
﴿وَزُخۡرُفࣰاۚ﴾ الزخرف: الزينة؛ وأخَّرَها لأنّها تكميلٌ وتحسينٌ لكلِّ ما تقدَّم من سُقُفٍ ومعارجَ وأبوابٍ وسررٍ.
﴿وَمَن یَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ﴾ أي: من يُعرض عن القرآن، وهذا من باب التمثيل؛ فالذي يُعرض عن الشيء كأنّه يعشُو عنه فلا يراه، والأعشى: ضعيف البصر.
﴿نُقَیِّضۡ لَهُۥ شَیۡطَـٰنࣰا فَهُوَ لَهُۥ قَرِینࣱ﴾ وهذه نتيجة طبيعية ومنطقية؛ فمن أعرض عن الحقِّ تلقّفه الباطل، فالشيطان يبتعد عن الذاكرين المتيقِّظين، ويقترب من الضالِّين الغافلين.
والتقييض: التهيئة، ومعناه هنا أنّ الله جعل الغفلة عن القرآن سببًا لوجود قرناء الشرِّ من شياطين الإنس والجن.
﴿وَیَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ﴾ بسبب تزيين القرناء وأصدقاء السوء، وهذه أخطر أنواع الضلالة؛ لأنَّ الغارق فيها لا يرى أنَّه يرتكب ما يستوجب الرجوع والتوبة.
﴿یَـٰلَیۡتَ بَیۡنِی وَبَیۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَیۡنِ﴾ يتمنَّى أن لو كان بينه وبين قرنائه هؤلاء بُعد ما بين المشرق والمغرب، وقد غلَّب لفظ المشرق على المغرب، وهذا شائعٌ في اللغة كما يُطلقون القمَرَين على الشمس و
القمر، والله أعلم.
﴿فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ﴾ أي: نقبِضك إلينا بانتِهاء أجَلِك في هذه الحياة قبل نزول العذاب بهؤلاء الذين آذَوك وكذَّبُوا رسالتَك.
﴿فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ﴾ جوابٌ للشرط المتقدِّم، أي: إنّ الله سينتقم منهم بَعدك.
﴿أَوۡ نُرِیَنَّكَ ٱلَّذِی وَعَدۡنَـٰهُمۡ﴾ أي: نُبقِيك حتى ترى عذابهم.
﴿فَإِنَّا عَلَیۡهِم مُّقۡتَدِرُونَ﴾ أي: فإنَّا مُقتَدِرُون على إهلاكِهم في الوقت الذي نشاء.
﴿فَٱسۡتَمۡسِكۡ بِٱلَّذِیۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَۖ﴾ أي: تمسَّك بالقرآن ولا تلتَفِت إلى هؤلاء المُكذِّبين الضالِّين.
﴿إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ﴾ والصراط المستقيم: هو الطريقُ الحقُّ الجامعُ لكلِّ معاني الخير والعدل والفضيلة، والموصل في النهاية إلى رضا الله والجنَّة.
﴿وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرࣱ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ﴾ أي: وإنَّ هذا القرآن لهو الشرف والرِّفعَة لك ولكلِّ من اتَّبَعَك.
﴿وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ﴾ يوم القيامة عن قيامكم بحقِّ هذا القرآن.