ثم قسَّم تعالى الناسَ بالنسبة إلى الانتفاع بآياتِهِ وعدمِهِ إلى قسمين: قسمٌ يستدلُّون بها، ويتفكَّرون بها، وينتفعون فيرتفعون، وهم المؤمنون باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ واليوم الآخر إيماناً تامًّا، وصل بهم إلى درجة اليقين، فزكَّى منهم العقول، وازدادتْ به معارفُهم وألبابُهم وعلومُهم. وقسمٌ يسمعُ آيات اللة سماعاً تقومُ به الحجةُ عليه، ثم يعرِض عنها ويستكبرُ، كأنه ما سمعها؛ لأنها لم تزكِّ قلبه ولا طهَّرته، بل بسبب استكباره عنها؛ ازداد طغيانُهُ، وأنه إذا علم من آيات الله شيئاً؛ اتَّخذها هزواً، فتوعَّده الله تعالى بالويل، فقال: {ويلٌ لكلِّ أفَّاكٍ أثيم}؛ أي: كذابٍ في مقاله، أثيمٍ في فعاله، وأخبر أن له عذاباً أليماً، وأن {من ورائهم جهنَّم}: تكفي في عقوبتهم البليغة، وأنه {لا يُغني عنهم ما كَسَبوا}: من الأموال {شيئاً ولا ما اتَّخذوا من دون اللهِ أولياءَ}: يستنصرون بهم، فخذلوهم أحوجَ ما كانوا إليهم لو نفعوا.