﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَـٰمُواْ﴾ جمع بين القول والعمل، وفيه معنى إظهار الإيمان؛ فالإيمان القلبي لا يكفي ما لم يقتَرِن بالإعلان؛ لأنّ الإعلان هنا هو إعلان الهويَّة والانتماء، والاستقامة فيها معنًى مُضاف على العمل، بمعنى أنّه العمل الدائم غير المُنقطع، والعمل المستقيم العدل غير المشوَّه بالغلوِّ والإسراف.
﴿جَزَاۤءَۢ بِمَا كَانُواْ یَعۡمَلُونَ﴾ تأكيدٌ لعقيدة العدل الإلهي، وفيه إعلاءٌ من قيمة العمل.
﴿حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهࣰا﴾ أي: حمَلَتْه بمشقَّة، فالحملُ بطبيعته شاقٌّ على الأُمَّهات.
﴿وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهࣰاۖ﴾ أي: ووضَعَتْه بمشقَّةٍ، وهي مشقَّةُ الطَّلْق.
﴿وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَـٰلُهُۥ ثَلَـٰثُونَ شَهۡرًاۚ﴾ بمعنى أنّ هذا هو المعتاد، وليس فيه تحديدٌ شرعيٌّ لمدَّة الحمل أو للفِصال، وهو الفطام. وذكر هذه المشاق فيه تعليلٌ لوصيَّة الله ببرِّ الوالدين، والأم بشكلٍ خاصٍّ؛ لأنّها هي التي تتحمّل هذه المشاق، ولحاجتها في العادة للبرِّ أكثر من الأب.
﴿قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِیۤ﴾ أي: ألهِمني ووفِّقني.
﴿أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ وَعَلَىٰ وَ ٰلِدَیَّ﴾ والنعمة هنا عامة في كلِّ النعم الدينيَّة والدنيويَّة.
﴿أُوْلَــٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ نَتَقَبَّلُ عَنۡهُمۡ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ﴾ أي: الطاعات.
﴿وَٱلَّذِی قَالَ لِوَ ٰلِدَیۡهِ أُفࣲّ لَّكُمَاۤ أَتَعِدَانِنِیۤ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِی﴾ هذا نموذجٌ للولد الطالح من أبَوَين صالحَين، فهو يُسيءُ إلى ربِّه بالكفر وإنكار الآخرة، ويُسيءُ لوالدَيه بالتأفُّف وإظهار التضجُّر لهما.
﴿وَهُمَا یَسۡتَغِیثَانِ ٱللَّهَ وَیۡلَكَ ءَامِنۡ﴾ هذه رحمةُ الوالد بولده، رحمةُ الفطرة التي يُعزِّزُها الوحي، وهي رحمةٌ واعيةٌ، فهما يدعُوَانه إلى الإيمان بحرصٍ شديدٍ، وضراعةٍ إلى الله، بخلافِ أولئك الذين لا همَّ لهم إلا دفع أولادهم لكسب المزيد من المتاع الدنيوي مالًا وجَاهًا وسُمعةً.
﴿أَسَـٰطِیرُ﴾ أي: أباطيل، وأصله: ما سطَّرَه الأقدمون بغير عِلْمٍ، كأقاصِيص الخرافة والخيال.
﴿أُوْلَــٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ حَقَّ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ﴾ الوعيد الذي توعّدهم الله به.
﴿فِیۤ أُمَمࣲ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ﴾ أي: مع أُممٍ قد مضَت من الجنِّ والإنسِ، وذكر الجنِّ هنا كأنّه تمهيدٌ لما جاء في خِتام السورة، من استِماع الجنِّ لتلاوته
ﷺ بالقرآن وما بُنِيَ على ذلك.
﴿وَلِكُلࣲّ دَرَجَـٰتࣱ مِّمَّا عَمِلُواْۖ وَلِیُوَفِّیَهُمۡ أَعۡمَـٰلَهُمۡ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ﴾ تأكيدٌ للعدل الإلهي الذي لن يُضيِّع حقَّ أحدٍ، فلكلِّ عاملٍ درجته من الثواب أو العقاب بحسب درجة عمله.
﴿أَذۡهَبۡتُمۡ طَیِّبَـٰتِكُمۡ فِی حَیَاتِكُمُ ٱلدُّنۡیَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا﴾ ليس التوبيخ على تمتعهم بالطيّبات، فالله خلق لنا الطيّبات وامتنَّ بها علينا لنتمتَّع بها، لكن المقصود أنّ الطيبات التي خلقها لهم الله تمتعوا بها في الدنيا، أمّا طيبات الآخرة فهذه لن تكون لأحدٍ إلّا إذا قدّم من العمل ما يستحقها به، ومِن هذا العمل شُكرُ الله تعالى على تلك الطيّبات الدنيويَّة، والاعتراف لله بفضله في خلقها وتيسيرها، وأداء الحقوق المترتبة عليها؛ كالزكاة، والنفقة، وغيرهما.
﴿عَذَابَ ٱلۡهُونِ﴾ أي: عذاب الهوان.
﴿بِمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ﴾ فالجزاءُ بالهوان مُناسِبٌ لجريمةِ التكبُّر والتعالِي على الخلق.