﴿وَإِذۡ صَرَفۡنَاۤ إِلَیۡكَ نَفَرࣰا مِّنَ ٱلۡجِنِّ یَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ﴾ أرسلناهم إليك وأنت تقرأ القرآن، والخطاب لرسول الله
ﷺ.
وهنا مسألةٌ؛ أنَّ الآية لا تُشيرُ إلى أنّه
ﷺ كان على علمٍ بهم، ولا أنّه كان يقرَأ ليُسمِعهم.
قال ابن كثير عن الحسن البصري: (إنَّه
عليه السلام ما شعَرَ بأمرهم حتى أنزَلَ الله عليه بخَبَرهم).
والوقوف في هذه الأخبار الغيبيَّة على مورد النص أسلَم وأحكَم؛ إذ لا تعلُّق لها بأعمال المُكلَّفين سوى وجوب تصديقها، وأخذ العبرة العامة منها، أمَّا ما يتناقَلُه الناس عن أخبار الجنِّ وأحوالهم وقُدراتهم وتأثيراتهم، فغالِبُه من
القصص التي يروِيها الدجَّالون والمُشعوِذُون وبعض الرُّقاة بلا نصٍّ ولا دليلٍ، وهذه كلُّها لا تُعَدُّ من الدين حتى لو صحَّت بنفسها، فليس كلّ خبرٍ صحيحٍ دينًا، مع أنَّ إثبات صحَّتها دونه خَرطُ القَتاد، أمّا امتِحانُ الناس بها فهذا من أبطَلِ الباطل، فكيف يُمتَحُن دين الناس بشيءٍ ليس من دينهم؟
﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْۖ﴾ وهذه إشارةٌ إلى أدب المُتعلِّم.
﴿فَلَمَّا قُضِیَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِینَ﴾ وهذا واجب المُتعلِّم بعد أن يقضي تعلُّمَه أن ينطلق لنَفْع مَن حوله؛ فكِتمان العلم لا يجوز، وفيه منعٌ للخير عمّن هو بحاجة إليه.
﴿إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَـٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ﴾ أي: من بعد كتاب موسى، وهو التوراة، وذَكَرَ موسى ولم يذكر داود وعيسى
عليهم السلام؛ لأنَّ التوراة هي الكتاب الشامل الذي فيه تفصيلُ كلّ شيءٍ، بخلاف الزبور والإنجيل فإنّهما مُتمِّمَان للتوراة، هذا بحسب ما نعلَمُه نحن البشر، أمّا بالنسبة للجنِّ فلا ندري أكانوا على علمٍ بالزبور والإنجيل أم لا، فهذا من الغيب الذي لا يصِحُّ القولُ فيه بلا دليلٍ.
﴿مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ﴾ أي: القرآن جاء مُصدِّقًا لما في التوراة.
﴿یَـٰقَوۡمَنَاۤ أَجِیبُواْ دَاعِیَ ٱللَّهِ﴾ أي: أجِيبُوا دعوةَ محمَّدٍ
ﷺ وادخلوا في دينه.
﴿وَیُجِرۡكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِیمࣲ﴾ أي: يحمِيكم ويمنع العذاب عنكم.
﴿فَلَیۡسَ بِمُعۡجِزࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ﴾ أي: لا ينجو من عذاب الله، ولن يجد له مفرًّا في الأرض.
﴿وَلَمۡ یَعۡیَ بِخَلۡقِهِنَّ﴾ أي: لم يُصِبْه ـ ما يُصيب العامل في ما هو دون ذلك الأمر من تعبٍ ونصبٍ وكلفةٍ في التهيئة والإعداد.
﴿وَیَوۡمَ یُعۡرَضُ ٱلَّذِینَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَلَیۡسَ هَـٰذَا بِٱلۡحَقِّۖ﴾ أي: يُقال لهم حينما يرَون النار: أليس هذا بالحقِّ؟ وهو سؤالٌ قُصِدَ به اللَّومُ والتوبيخُ.
﴿فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ﴾ أي: اصبِر على طريق الدعوة كما صبَرَ هؤلاء الصفوة من الرسل، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ثم خُتِمُوا بمحمدٍ عليه وعليهم الصلاة والسلام.
﴿وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ﴾ العذاب وحلول العقوبة فيهم.
﴿كَأَنَّهُمۡ یَوۡمَ یَرَوۡنَ مَا یُوعَدُونَ لَمۡ یَلۡبَثُوۤاْ إِلَّا سَاعَةࣰ مِّن نَّهَارِۭۚ﴾ بمعنى أنّ هذه الدنيا قصيرة مهما طالَت، وفي ذلك اليوم سينظر إليها هؤلاء الأشقياء كأنّها لم تكن بِطُولها سوى ساعة من نهار، ونسبية الزمن مسألة علميَّة معروفة، والدنيا بحسابها الدقيق أمام الآخرة لا تُساوي شيئًا؛ لأنّ نسبة المحدود إلى غير المحدود لا يمكن قياسها، وتبدو ضئيلة جدًّا ولا قيمة لها.
﴿فَهَلۡ یُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ﴾ أي: لا يستحِقُّ الهلاك في الآخرة إلَّا القوم الفاسِقُون.