هذا تزهيدٌ منه تعالى لعباده في الحياة الدُّنيا؛ بإخبارِهم عن حقيقة أمرِها؛ بأنها لعبٌ ولهوٌ؛ لعبٌ في الأبدان ولهوٌ في القلوب، فلا يزال العبدُ لاهياً في ماله وأولاده وزينتِهِ ولذاتِهِ من النساء والمآكل والمشارب والمساكن والمجالس والمناظر والرياسات، لاعباً في كلِّ عمل لا فائدةَ فيه، بل هو دائرٌ بين البطالة والغفلة والمعاصي، حتى يستكملَ دُنياه ويَحْضُرُه أجلُه؛ فإذا هذه الأمورُ قد ولَّت وفارقتْ ولم يحصُلِ العبدُ منها على طائل، بل قد تبيَّن له خسرانُه وحرمانُه وحضر عذابُه؛ فهذا موجبٌ للعاقل الزهد فيها وعدم الرغبة فيها والاهتمام بشأنها، وإنَّما الذي ينبغي أن يهتمَّ به ما ذكره بقوله: {وإن تؤمنوا وتَتَّقوا}: بأنْ تؤمنوا بالله وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ واليوم الآخر، وتقوموا بتقواه التي هي من لوازم الإيمان ومقتضياته، وهي العمل بمرضاته على الدوام، مع ترك معاصيه؛ فهذا الذي ينفع العبد، وهو الذي ينبغي أن يُتنافسَ فيه وتُبذل الهمم والأعمالُ في طلبه، وهو مقصودُ الله من عباده؛ رحمةً بهم ولطفاً؛ ليثيبَهم الثوابَ الجزيل، ولهذا قال: {وإن تؤمنوا وتَتَّقوا يؤتِكُم أجورَكم ولا يَسْألْكُم أموالَكم}؛ أي: لا يريدُ تعالى أن يكلفكم ما يشقُّ عليكم ويُعْنِتَكُم من أخذِ أموالكم وبقائكم بلا مال أو يَنْقُصَكم نقصاً يضرُّكم، ولهذا قال: {إن يسألْكُموها فيُحْفِكُم تبخَلوا ويخرِجْ أضغانَكُم}؛ أي: ما في قلوبكم من الضَّغن إذا طُلِبَ منكم ما تكرهون بذلَه.