لما ذكر تعالى أنَّ المخلَّفين من الأعراب يتخلَّفون عن الجهاد في سبيله، ويعتذِرون بغير عذرٍ، وأنَّهم يطلبون الخروج معهم إذا لم يكن شوكةٌ ولا قتالٌ، بل لمجرَّد الغنيمة؛ قال تعالى ممتحناً لهم:
{قل للمخلَّفين من الأعراب سَتُدْعَوْنَ إلى قوم أولي بأس شديدٍ}؛ أي: سيدعوكم الرسولُ ومَنْ ناب منابَه من الخلفاء الراشدين والأئمة، وهؤلاء القوم فارسٌ و
الرومُ ومَنْ نحا نحوَهم وأشبههم،
{تقاتِلونَهم أو يُسْلِمونَ}؛ أي: إمَّا هذا وإمَّا هذا، وهذا هو الأمر الواقع؛ فإنَّهم في حال قتالهم ومقاتلتهم لأولئك الأقوام إذا كانت شدتُهم وبأسُهم معهم؛ فإنَّهم في تلك الحال لا يقبلون أن يبذُلوا الجزيةَ، بل إمَّا أنْ يدخُلوا في الإسلام، وإمَّا أن يُقاتِلوا على ما هم عليه، فلما أثخنهم المسلمونَ وضَعُفوا وذلُّوا؛ ذهب بأسُهم، فصاروا إمَّا أنْ يسلِموا وإمَّا أن يبذُلوا الجزية،
{فإن تُطيعوا}: الداعي لكم إلى قتال هؤلاء،
{يؤتِكُمُ الله أجراً حسناً}: وهو الأجر الذي رتَّبه الله ورسولُهُ على الجهادِ في سبيل الله،
{وإن تَتَوَلَّوْا كما تولَّيْتُم من قبلُ}: عن قتال مَنْ دعاكم الرسولُ إلى قتالِهِ،
{يعذِّبْكم عذاباً أليماً}. ودلَّت هذه الآية على فضيلة الخلفاء الرَّاشدين الداعين لجهادِ أهل البأس من الناس، وأنَّه تجب طاعتُهم في ذلك.