{إنَّما المؤمنونَ إخوةٌ}: هذا عقدٌ عقدَه الله بين المؤمنين؛ أنَّه إذا وجد من أيِّ شخصٍ كان في مشرق الأرض ومغربها الإيمانُ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ فإنَّه أخٌ للمؤمنين أخوَّةً توجبُ أن يحبَّ له المؤمنون ما يحبُّون لأنفسهم، ويكرهوا له ما يكرهون لأنفسهم، ولهذا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - آمراً بالأخوَّة الإيمانيَّة: «لا تَحاسدوا ولا تَناجشوا ولا تَباغضوا ولا تَدابروا، وكونوا عبادَ اللهِ إخواناً. المسلمُ أخو المسلم؛ لا يظلمُه ولا يخذُلُه ولا يكذبه». متفقٌ عليه. وفيهما عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمنُ للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضُه بعضاً، وشبك - صلى الله عليه وسلم - بين أصابعه». ولقد أمر اللهُ ورسولُه بالقيام بحقوق المؤمنين بعضهم لبعض وبما يحصُلُ به التآلفُ والتوادُدُ والتواصُلُ بينهم، كل هذا تأييدٌ لحقوق بعضهم على بعض؛ فمن ذلك إذا وقع الاقتتال بينهم الموجب لتفرُّق القلوب وتباغُضها وتدابُرها؛ فَلْيُصْلِح المؤمنون بين إخوانهم، ولْيَسْعَوا فيما به يزول شَنَآنهم. ثم أمر بالتقوى عموماً، ورتب على القيام بالتقوى وبحقوق المؤمنين الرحمةَ، فقال: {لعلَّكم تُرْحَمونَ}، وإذا حصلت الرحمةُ؛ حصل خيرُ الدنيا والآخرة. ودلَّ ذلك على أنَّ عدم القيام بحقوق المؤمنين من أعظم حواجب الرحمة. وفي هاتين الآيتين من الفوائد غير ما تقدم: أنَّ الاقتتال بين المؤمنين منافٍ للأخوَّة الإيمانيَّة، ولهذا كان من أكبر الكبائر. وأنَّ الإيمان والأخوَّة الإيمانيَّة لا يزولان مع وجود الاقتتال؛ كغيره من الذنوب الكبائر، التي دون الشرك، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة. وعلى وجوب الإصلاح بين المؤمنين بالعدل. وعلى وجوب قتال البُغاة حتى يرجِعوا إلى أمر الله، وعلى أنهم لو رجعوا لغير أمرِ الله؛ بأن رجعوا على وجهٍ لا يجوز الإقرار عليه والتزامه؛ أنَّه لايجوز ذلك. وأنَّ أموالهم معصومةٌ؛ لأنَّ الله أباح دماءهم وقت استمرارهم على بَغْيِهم خاصةً دون أموالهم.