هذا متضمِّنٌ لنهي المؤمنين عن أن يبغيَ بعضُهم على بعض ويقتلَ بعضُهم بعضاً، وأنه إذا اقتتلتْ طائفتان من المؤمنين؛ فإن على غيرهم من المؤمنين أن يتلافَوْا هذا الشرَّ الكبير بالإصلاح بينهم والتوسُّط على أكمل وجه يقع به الصلحُ ويسلكوا الطرق الموصلة إلى ذلك؛ فإن صلحتا؛ فبها ونعمت. {فإن بغتْ إحداهُما على الأخْرى فقاتِلوا التى تبغي حتى تفيءَ إلى أمرِ اللهِ}؛ أي: ترجع إلى ما حدَّ الله ورسولُه من فعل الخير وترك الشرِّ الذي من أعظمه الاقتتال. وقولُه: {فإن فاءتْ فأصْلِحوا بينَهما بالعَدْلِ}: هذا أمرٌ بالصُّلح وبالعدل في الصلح؛ فإنَّ الصُّلح قد يوجد، ولكن لا يكون بالعدل، بل بالظُّلم والحيف على أحد الخصمين؛ فهذا ليس هو الصُّلح المأمورُ به، فيجب أن لا يراعَى أحدهما لقرابةٍ أو وطنٍ أو غير ذلك من المقاصد والأغراض، التي توجب العدول عن العدل. {إنَّ اللهَ يحبُّ المُقْسِطينَ}؛ أي: العادلين في حكمهم بين الناس، وفي جميع الولايات التي تولوها، حتى إنه قد يدخل في ذلك عدلُ الرجل في أهله وعيالِه في أداء حقوقهم، وفي الحديث الصحيح: «المقسِطون عند الله على منابرَ من نورٍ؛ الذين يعدِلون في حكمِهم وأهليهم وما ولوا».