يخبرُ تعالى أنَّه خلقَ بني آدم من أصل واحدٍ وجنسٍ واحدٍ، وكلُّهم من ذكر وأنثى، ويرجعون جميعُهم إلى آدم وحواء، ولكنَّ الله تعالى بثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً، وفرَّقهم، وجعلهم {شعوباً وقبائلَ}؛ أي: قبائل صغاراً وكباراً، وذلك لأجل أن يتعارَفوا؛ فإنَّه لو استقلَّ كلُّ واحد منهم بنفسه؛ لم يحصُلْ بذلك التعارف الذي يترتَّب عليه التَّناصر والتَّعاون والتَّوارث والقيام بحقوق الأقارب، ولكنَّ الله جعلهم شعوباً وقبائل؛ لأجل أن تحصُلَ هذه الأمور وغيرها ممَّا يتوقَّف على التعارف ولحوق الأنساب، ولكن الكرمَ بالتَّقوى؛ فأكرمُهم عند الله أتقاهم، وهو أكثرُهم طاعةً وانكفافاً عن المعاصي، لا أكثرُهم قرابةً وقوماً، ولا أشرفُهم نسباً، ولكن اللهَ تعالى {عليمٌ خبيرٌ}، يعلمُ منهم مَن يقوم بتقوى الله ظاهراً وباطناً ممَّن لا يقوم بذلك ظاهراً ولا باطناً، فيجازي كلًّا بما يستحقُّ. وفي هذه الآية دليلٌ على أنَّ معرفة الأنساب مطلوبةٌ مشروعةٌ؛ لأنَّ الله جعلهم شعوباً وقبائلَ لأجل ذلك.