يخبرُ تعالى عن مقالةِ الأعراب، الذين دخلوا في الإسلام على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخولاً من غير بصيرةٍ ولا قيامٍ بما يجبُ ويقتضيه الإيمان؛ أنَّهم مع هذا ادَّعوا وقالوا {آمنَّا}؛ أي: إيماناً كاملاً مستوفياً لجميع أموره. هذا موجب هذا الكلام، فأمر الله رسوله أن يردَّ عليهم، فقال: {قل لمْ تؤمِنوا}؛ أي: لا تدَّعوا لأنفسِكُم مقامَ الإيمان ظاهراً وباطناً كاملاً، {ولكن قولوا أسْلَمْنا}؛ أي: دخلْنا في الإسلام، واقْتَصِروا على ذلك، {و} السبب في ذلك أنه {لَمَّا يدخلِ الإيمانُ في قلوبِكُم}: وإنَّما أسلمتم خوفاً أو رجاءً أو نحو ذلك مما هو السبب في إيمانكم؛ فلذلك لم تدخل بشاشة الإيمان في قلوبكم. وفي قوله: {ولمَّا يدخلِ الإيمانُ في قلوبِكُم}؛ أي: وقتَ هذا الكلام الذي صدر منكم، فكان فيه إشارةٌ إلى أحوالهم بعد ذلك؛ فإنَّ كثيراً منهم منَّ الله عليهم بالإيمان الحقيقيِّ والجهاد في سبيل الله، {وإن تُطيعوا اللهَ ورسولَه}: بفعل خير أو ترك شرٍّ {لا يَلِتْكُم من أعمالِكُمْ شيئاً}؛ أي: لا يَنْقُصْكم منها مثقال ذرَّةٍ، بل يوفيكم إيَّاها أكمل ما تكون، لا تفقدون منها صغيراً ولا كبيراً. {إنَّ الله غفورٌ رحيمٌ}؛ أي: غفورٌ لمَن تابَ إليه وأناب، رحيمٌ به؛ حيث قبل توبته.