يقول تعالى: {من أجل ذلك}: الذي ذَكَرْناه في قصَّة ابني آدم وقتل أحدِهما أخاه وسَنِّه القتل لمن بعده وأن القتل عاقبته وخيمة وخسار في الدنيا والآخرة؛ {كتبنا على بني إسرائيل}: أهل الكتب السماويَّة {أنَّه من قَتَلَ نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض}؛ أي: بغير حقٍّ {فكأنَّما قتل الناس جميعاً}؛ لأنَّه ليس معه داعٍ يَدْعوه إلى التَّبيين وأنَّه لا يقدِم على القتل إلاَّ بحقٍّ، فلمَّا تجرَّأ على قتل النفس التي لم تستحقَّ القتل؛ علم أنه لا فرقَ عنده بين هذا المقتول وبين غيرِهِ، وإنَّما ذلك بحسب ما تدعوه إليه نفسه الأمَّارة بالسوء، فتجرُّؤه على قتله كأنَّه قتل الناس جميعاً، وكذلك من أحيا نفساً؛ أي: استبقى أحداً فلم يقتله مع دعاء نفسه له إلى قتله، فمنعه خوف الله تعالى من قتلِهِ؛ فهذا كأنه أحيا الناس جميعاً؛ لأنَّ ما معه من الخوف يمنعُهُ من قتل من لا يستحقُّ القتل. ودلَّت الآية على أن القتل يجوز بأحد أمرين: إما أن يقتل نفساً بغير حقٍّ متعمِّداً في ذلك؛ فإنَّه يحلُّ قتله إن كان مكلفاً مكافئاً ليس بوالدٍ للمقتول، وإما أن يكونَ مفسداً في الأرض بإفساده لأديان الناس أو أبدانهم أو أموالهم؛ كالكُفَّار المرتدِّين والمحاربين والدُّعاة إلى البدع الذين لا ينكفُّ شرُّهم إلاَّ بالقتل، وكذلك قطَّاع الطريق ونحوِهم ممَّن يصولُ على الناس لقتلهم أو أخذ أموالهم. {ولقد جاءَتْهُم رُسُلنا بالبيناتِ}: التي لا يبقى معها حجَّةٌ لأحدٍ، {ثم إنَّ كثيراً منهم}؛ أي: من الناس {بعد ذلك}: البيان القاطع للحُجَّة الموجب للاستقامة في الأرض {لمسرفونَ}: في العمل بالمعاصي ومخالفة الرسل الذين جاؤوا بالبيِّنات والحُجَج.