المحاربون لله ورسوله هم الذين بارزوه بالعداوة وأفسدوا في الأرض بالكُفر والقتل وأخذ الأموال وإخافة السبل، والمشهور أنَّ هذه الآية الكريمة في أحكام قُطَّاع الطريق الذين يعرضون للناس في القرى والبوادي فيغصبونهم أموالَهم ويقتُلونهم ويخيفونهم، فيمتَنِع الناسُ من سلوك الطريق التي هم بها، فتنقَطِع بذلك. فأخبر الله أنَّ جزاءهم ونَكالهم عند إقامة الحدِّ عليهم أن يُفعلَ بهم واحدٌ من هذه الأمور. واختلف المفسرون هل ذلك على التَّخيير، وأنَّ كلَّ قاطع طريقٍ يفعلُ به الإمامُ أو نائبُهُ ما رآه المصلحة من هذه الأمور المذكورة، وهذا ظاهر اللَّفظ، أو أنَّ عقوبتهم تكون بحسب جرائِمِهم؛ فكلُّ جريمة لها قسطٌ يقابِلها؛ كما تدلُّ عليه الآية بحكمتها وموافقتها لحكمة الله تعالى، وأنهم: إن قتلوا وأخذوا مالاً؛ تحتَّم قتلُهم وصلبُهم، حتى يشتهروا ويَخْتزوا ويرتدعَ غيرهم، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالاً؛ تحتَّم قتلُهم فقط، وإن أخذوا مالاً ولم يَقْتُلوا؛ تحتَّم أن تُقْطَعَ أيديهم وأرجلهم من خلاف؛ اليد اليمنى، والرجل اليسرى، وإن أخافوا الناس، ولم يقتُلوا، ولا أخذوا مالاً؛ نُفوا من الأرض، فلا يُتْرَكون يأوون في بلد حتى تظهر توبتُهم. وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه وكثير من الأئمة على اختلاف في بعض التفاصيل. {ذلك} النكال {لهم خزيٌ في الدُّنيا}؛ أي: فضيحة وعارٌ، {ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم}: فدلَّ هذا أن قطع الطريق من أعظم الذنوب، موجب لفضيحة الدُّنيا وعذاب الآخرة، وأنَّ فاعله محاربٌ لله ولرسوله. وإذا كان هذا شأن عظم هذه الجريمة؛ عُلِمَ أنَّ تطهير الأرض من المفسدين وتأمين السبل والطرق عن القتل وأخذ الأموال وإخافة الناس من أعظم الحسنات وأجلِّ الطاعات، وأنَّه إصلاحٌ في الأرض؛ كما أن ضدَّه إفسادٌ في الأرض.