سورة المائدة تفسير السعدي الآية 91

إِنَّمَا یُرِیدُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَن یُوقِعَ بَیۡنَكُمُ ٱلۡعَدَ ٰ⁠وَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ فِی ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَیۡسِرِ وَیَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴿٩١﴾

تفسير السعدي سورة المائدة

يذمُّ تعالى هذه الأشياء القبيحة، ويخبر أنها من عمل الشيطان، وأنها رجس؛ {فاجتنبوه}؛ أي: اتركوه، {لعلَّكم تفلحون}؛ فإنَّ الفلاح لا يتمُّ إلاَّ بترك ما حرَّم الله، خصوصاً هذه الفواحش المذكورة، وهي الخمر، وهو كلُّ ما خامر العقل؛ أي: غطاه بسكره، والميسر، وهو جميع المغالَبات التي فيها عوض من الجانبين؛ كالمراهنة ونحوها، والأنصاب، وهي الأصنام والأنداد ونحوها مما يُنصب ويُعبد من دون الله، والأزلام التي [يستقسمون] بها. فهذه الأربعة نهى الله عنها، وزجر، وأخبر عن مفاسدها الداعية إلى تركها واجتنابها: فمنها: أنها رجسٌ؛ أي: نجس خبث معنى، وإن لم تكن نجسة حِسًّا، والأمور الخبيثة مما ينبغي اجتنابها وعدم التدنُّس بأوضارها. ومنها: أنها من عمل الشيطان الذي هو أعدى الأعداء للإنسان، ومن المعلوم أن العدوَّ يُحذر منه وتُحذر مصايده وأعماله، خصوصاً الأعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوه؛ فإنها فيها هلاكه؛ فالحزم كلُّ الحزم البعد عن عمل العدوِّ المبين، والحذر منها، والخوف من الوقوع فيها. ومنها: أنه لا يمكن الفلاح للعبد إلاَّ باجتنابها؛ فإنَّ الفلاح هو الفوز بالمطلوب المحبوب والنجاة من المرهوب، وهذه الأمور مانعةٌ من الفلاح ومعوقةٌ له. ومنها: أنَّ هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس، والشيطانُ حريصٌ على بثِّها، خصوصاً الخمر والميسر؛ ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء فإنَّ في الخمر من انقلاب العقل وذهاب حجاه ما يدعو إلى البغضاء بينه وبين إخوانه المؤمنين، خصوصاً إذا اقترن بذلك من [السباب] ما هو من لوازم شارب الخمر؛ فإنه ربما أوصل إلى القتل، وما في الميسر من غلبة أحدهما للآخر وأخذ ماله الكثير في غير مقابلة ما هو من أكبر الأسباب للعداوة والبغضاء. ومنها: أنَّ هذه الأشياء تصدُّ القلب ويَتْبَعُه البدن عن ذكر الله وعن الصلاة اللذين خُلِقَ لهما العبد وبهما سعادتُهُ؛ فالخمرُ والميسر يصدَّانه عن ذلك أعظم صدٍّ، ويشتغل قلبه ويذهل لبُّه في الاشتغال بهما، حتى يمضيَ عليه مدة طويلة وهو لا يدري أين هو؛ فأيُّ معصية أعظم وأقبح من معصيةٍ تدنِّسُ صاحبَها، وتجعلُه من أهل الخبث، وتوقِعُه في أعمال الشيطان وشباكِهِ فينقاد له كما تنقادُ البهيمة الذَّليلة لراعيها، وتحول بين العبد وبين فلاحه، وتوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنينَ، وتصدُّ عن ذِكْرِ الله وعن الصَّلاة؛ فهل فوق هذه المفاسد شيء أكبر منها؟! ولهذا عرض تعالى على العقول السليمة النهي عنها عرضاً بقوله: {فهل أنتم منتهون}؛ لأنَّ العاقل إذا نَظَرَ إلى بعض تلك المفاسد؛ انزجر عنها، وكفَّت نفسُه، ولم يحتج إلى وعظٍ كثيرٍ ولا زجرٍ بليغ.