هذا من مِنَنِ الله على عباده أن أخبرهم بما سيفعل قضاءً وقدراً ليطيعوه ويقدموا على بصيرة ويهلك من هلك عن بيِّنة ويحيا من حيَّ عن بيِّنة، فقال تعالى: {يا أيُّها الذين آمنوا}: لا بدَّ أن يَختبر الله إيمانكم، {لَيَبْلُوَنَّكم الله بشيءٍ من الصيد}؛ أي: شيء غير كثير، فتكون محنةً يسيرةً؛ تخفيفاً منه تعالى ولطفاً، وذلك الصيد الذي يبتليكم الله به {تنالُهُ أيديكم ورِماحُكم}؛ أي: تتمكَّنون من صيده؛ ليتمَّ بذلك الابتلاء؛ لا غير مقدور عليه بيد ولا رمح فلا يبقى للابتلاء فائدةٌ. ثم ذكر الحكمة في ذلك الابتلاء، فقال: {ليعلمَ اللهُ}: علماً ظاهراً للخَلْق يترتَّب عليه الثواب والعقاب، {مَن يخافُه بالغيب}: فيكفُّ عمَّا نهى الله عنه، مع قدرتِهِ عليه وتمكُّنه، فيثيبه الثواب الجزيل، ممَّن لا يخافه بالغيب، فلا يرتدع عن معصيةٍ تعرِض له، فيصطاد ما تمكَّن منه. {فمن اعتدى}: منكم بعد هذا البيان الذي قطع الحجج وأوضح السبيل، {فله عذابٌ أليمٌ}؛ أي: مؤلم موجع، لا يقدر على وصفه إلا الله؛ لأنه لا عذر لذلك المعتدي، والاعتبار بمن يخافه بالغيب وعدم حضور الناس عنده، وأما إظهار مخافة الله عند الناس؛ فقد يكون ذلك لأجل مخافة الناس، فلا يُثاب على ذلك.