ثم صَرَّحَ بالنهي عن قتل الصيد في حال الإحرام، فقال:
{يا أيُّها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم}؛ أي: محرمون في الحجِّ و
العمرة، والنهي عن قتله يشمل النهي عن مقدِّمات القتل وعن المشاركة في القتل والدلالة عليه والإعانة على قتله، حتى أنَّ من تمام ذلك أنَّه ينهى المحرم عن أكل ما قُتِلَ أو صِيدَ لأجله، وهذا كلُّه تعظيم لهذا النُّسك العظيم؛ أنَّه يحرم على المحرم قتل وصيد ما كان حلالاً له قبل الإحرام. وقوله:
{ومَن قَتَلَهُ منكم متعمِّداً}؛ أي: قتل صيداً عمداً،
{فـ} عليه
{جزاءٌ مثلُ ما قَتَلَ من النَّعم}؛ أي: الإبل أو البقر أو الغنم، فينظُرُ ما يشبهه شيئاً من ذلك، فيجب عليه مثله، يذبحهُ ويتصدقُ به، والاعتبار بالمماثلة،
{يحكمُ به ذوا عدل منكم}؛ أي: عدلان يعرفان الحكم ووجه الشبه؛ كما فعل الصحابة رضي الله عنهم؛ حيث قضوا بالحمامة شاة، وفي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش على اختلاف أنواعه بقرة، وهكذا كلُّ ما يشبه شيئاً من النَّعم؛ ففيه مثله، فإن لم يشبه شيئاً؛ ففيه قيمته كما هو القاعدة في المتلفات، وذلك الهدي لا بدَّ أن يكون
{هدياً بالغَ الكعبةِ}؛ أي: يُذبح في الحرم،
{أو كفارةٌ طعام مساكينَ}؛ أي: كفارة ذلك الجزائي طعام مساكين؛ أي: يجعل مقابلة المثل من النَّعم طعام يُطعم المساكين. قال كثيرٌ من العلماء: يُقَوَّمُ الجزاء، فيُشترى بقيمته طعامٌ، فيُطعم كلَّ مسكين مُدَّ بُرٍّ أو نصف صاع من غيره،
{أو عدل ذلك} الطعام
{صياماً}؛ أي: يصوم عن إطعام كلِّ مسكين يوماً،
{ليذوقَ} بإيجاب الجزاء المذكور عليه وبالَ أمرِهِ، ومن عاد بعد ذلك فينتَقِمُ الله منه. والله عزيزٌ ذو انتقام. وإنما نصَّ الله على المتعمِّد لقتل الصيد، مع أن الجزاء يلزم المتعمِّد والمخطئ كما هو القاعدة الشرعية: أنَّ المتلِفَ للنُّفوس والأموال المحترمة؛ فإنَّه يضمنُها على أيِّ حال كان إذا كان إتلافُهُ بغير حقٍّ؛ لأنَّ الله رتَّب عليه الجزاء والعقوبة والانتقام، وهذا للمتعمِّد، وأما المخطئ؛ فليس عليه عقوبة، إنما عليه الجزاء. (هذا قول جمهور العلماء، والصحيح ما صرَّحت به الآية: أنَّه لا جزاء على غير المتعمِّد؛ كما لا إثم عليه).