﴿إِذۡ أَیَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾ هو ملك الوحي جبريل
عليه السلام والعبارة موحية بالقرب والملازمة، وليس إيصال الوحي فقط، والله أعلم.
﴿تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِی ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلࣰاۖ﴾ في المهد معجزته في تبرئة أمِّه مريم
عليهما السلام، وكهلًا لتبليغ رسالته، وهنا اقتران المعجزة بالرسالة.
﴿وَتُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ بِإِذۡنِیۖ﴾ الأكمه الأعمى، والأبرص المتغيِّر لون جلده بخلقةٍ أو مرضٍ، ويقال: إنَّ عصر عيسى كان مشهورًا بالتطبُّب؛ فجاءت المعجزة من جنس اهتمامهم وتفوُّقهم.
﴿وَإِذۡ تُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِیۖ﴾ أي: تدعوهم فترتدُّ أرواحهم إليهم فيخرجون إليك.
﴿وَإِذۡ أَوۡحَیۡتُ إِلَى ٱلۡحَوَارِیِّـۧنَ﴾ الحواريُّون هم أصحابُ عيسى
عليه السلام المقرَّبون منه، والوحي إنما كان له، وهم استمعوه منه، فاستجابوا لربهم، وهذا نظير قوله تعالى:
﴿لَقَدۡ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكُمۡ كِتَـٰبࣰا فِیهِ ذِكۡرُكُمۡۚ﴾ [الأنبياء: 10]، والإنزال إنما كان للرسول
ﷺ والله أعلم.
﴿هَلۡ یَسۡتَطِیعُ رَبُّكَ أَن یُنَزِّلَ عَلَیۡنَا مَاۤىِٕدَةࣰ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ ۖ﴾ ليس على سبيل الشك بقدرته سبحانه، بل على سبيل التأدُّب والاحتياط في الطلب، كقولك لمن تجلُّه وتحترِمُه: هل يمكنك مساعدتي؟ وأنت عارف بإمكانيته، لكنَّك تُقدِّم العذرَ له إن ردَّك؛ لأنه يعلم ما لا تعلم، والله أعلم.
﴿وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا﴾ هو علم الشهود لا علم النظر.
﴿تَكُونُ لَنَا عِیدࣰا﴾ أي: موسمًا للاحتفاء والاحتفال، والتذكير بنعمة الله ووجوب شكرها.
﴿قَالَ ٱللَّهُ إِنِّی مُنَزِّلُهَا عَلَیۡكُمۡۖ فَمَن یَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّیۤ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابࣰا لَّاۤ أُعَذِّبُهُۥۤ أَحَدࣰا مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ دلالة أن الحساب على قدر النعمة، وعلى قدر المعرفة، فلما أصبح الغيب عند هؤلاء شهادة بنزول
المائدة التي سألوها من السماء، أصبح الإنكار محض عنادٍ ومكابرةٍ لا شبهة فيه لجهلٍ، ولا لغفلةٍ.
﴿إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ﴾ تفويضُ الأمر إلى الله، وفيه روح الشفاعة وحسن الطلب، كأنه يقول: إنهم عبادك يا ربِّ، وأنت أَولَى بهم مني ومن أنفسهم.
﴿وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ كأنه يقول: أنت الغنيُّ عن معاقبتهم، وغفرانك لهم غفران العزيز المتفضِّل، وفي هذا نوعٌ من التذلُّل في الطلب، وهو مظنَّة الاستجابة، ولولا هذا المعنى الدقيق لكان الأنسَب أن يقول: إن تغفِر لهم فإنك غفورٌ رحيمٌ، والله أعلم.