في الشَّطر الثاني من هذه السورة الكريمة يعرِض القرآن حالَ هذا الإنسان وهو يتهيَّأ للرحيل عن هذه الحياة، ويمشي معه في سكَرَاته حتى يُعرَض أمام مصيره المحتوم؛ فإمَّا ناجٍ بصدقه وإيمانه وحُسن عمله، وإمَّا هالك بكذبه على نفسه، وكفره بربِّه، وسوء خلقه وعمله.
أولًا: أخبر القرآن عن حتميَّة الموت وسكَرَاته، رغم كراهة الإنسان له، ومحاولته نسيانه أو التهرُّب منه
﴿وَجَاۤءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّ ۖ ذَ ٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِیدُ﴾.
ثانيًا: أكَّد القرآن حتميَّة البعث أيضًا
﴿وَنُفِخَ فِی ٱلصُّورِۚ ذَ ٰلِكَ یَوۡمُ ٱلۡوَعِیدِ ﴿٢٠﴾ وَجَاۤءَتۡ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّعَهَا سَاۤىِٕقࣱ وَشَهِیدࣱ ﴿٢١﴾ لَّقَدۡ كُنتَ فِی غَفۡلَةࣲ مِّنۡ هَـٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَاۤءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡیَوۡمَ حَدِیدࣱ﴾ ثم يُؤكِّد هذه الحقيقة الكبيرة في خواتيم السورة
﴿وَٱسۡتَمِعۡ یَوۡمَ یُنَادِ ٱلۡمُنَادِ مِن مَّكَانࣲ قَرِیبࣲ ﴿٤١﴾ یَوۡمَ یَسۡمَعُونَ ٱلصَّیۡحَةَ بِٱلۡحَقِّ ۚ ذَ ٰلِكَ یَوۡمُ ٱلۡخُرُوجِ ﴿٤٢﴾ إِنَّا نَحۡنُ نُحۡیِۦ وَنُمِیتُ وَإِلَیۡنَا ٱلۡمَصِیرُ ﴿٤٣﴾ یَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلۡأَرۡضُ عَنۡهُمۡ سِرَاعࣰاۚ ذَ ٰلِكَ حَشۡرٌ عَلَیۡنَا یَسِیرࣱ﴾.
ثالثًا: ينقل القرآن مشهدًا من مشاهد ذلك اليوم العصيب؛ حيث يُلقى في النار كلّ كفارٍ عنيدٍ، وهناك ترتفع خصومتهم فيما بينهم، ويشهد الشهود عليهم، وتستشيط جهنّم غيظًا بهم، وتطلب المزيدَ منهم، وكأنّها كائنٌ حيٌّ وقد أخذ به الغضب كلَّ مأخذٍ على هؤلاء المُكذِّبين المُتجرِّئين على ربِّ العالمين
﴿۞ قَالَ قَرِینُهُۥ رَبَّنَا مَاۤ أَطۡغَیۡتُهُۥ وَلَـٰكِن كَانَ فِی ضَلَـٰلِۭ بَعِیدࣲ ﴿٢٧﴾ قَالَ لَا تَخۡتَصِمُواْ لَدَیَّ وَقَدۡ قَدَّمۡتُ إِلَیۡكُم بِٱلۡوَعِیدِ ﴿٢٨﴾ مَا یُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَیَّ وَمَاۤ أَنَا۠ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ ﴿٢٩﴾ یَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِیدࣲ﴾.
رابعًا: ثم ينقل مشهَدًا آخر تتجلَّى فيه رحمة الله بعباده الصالحين وما أعدّ لهم من كرامةٍ ونعيمٍ دائمٍ مُقيمٍ
﴿وَأُزۡلِفَتِ ٱلۡجَنَّةُ لِلۡمُتَّقِینَ غَیۡرَ بَعِیدٍ ﴿٣١﴾ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِیظࣲ ﴿٣٢﴾ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِیظࣲ ﴿٣٣﴾ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِیظࣲ ﴿٣٤﴾ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِیظࣲ ﴿٣٥﴾ وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشࣰا فَنَقَّبُواْ فِی ٱلۡبِلَـٰدِ هَلۡ مِن مَّحِیصٍ﴾.
خامسًا: يدعو القرآن أولئك المشركين إلى النظر في أسلافهم الأسبقين، وكيف كانت عاقبتهم بعد تكذيبهم للنبيين
﴿وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشࣰا فَنَقَّبُواْ فِی ٱلۡبِلَـٰدِ هَلۡ مِن مَّحِیصٍ ﴿٣٦﴾ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِیدࣱ﴾.
سادسًا: ثم يدعوهم للنظر في آثار قُدرة الله الشاهدة والمحسوسة في هذا الكون
﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَا فِی سِتَّةِ أَیَّامࣲ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبࣲ﴾.
سابعًا: ثُمّ يُوجِّهُ القرآنُ خطابه إلى نبيِّنا الكريم
ﷺ يُوصِيه بالصبر، واللجوء إلى الله وحده بالذكر والتسبيح والصلاة
﴿فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا یَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ﴾.
ثامنًا: يختم القرآن هذه السورة ببيان أنّ مُحمدًا
ﷺ ليس جبَّارًا في الأرض، ولا يُمكنه أن يتحكَّم بقلوب الناس، وإنّما مُهمَّته حمل هذا القرآن وتلاوته على الناس؛ فمَن آمَن فلنفسه، ومَن ضلَّ فعليها
﴿نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا یَقُولُونَۖ وَمَاۤ أَنتَ عَلَیۡهِم بِجَبَّارࣲۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن یَخَافُ وَعِیدِ﴾.