بعد أن نبَّهَ القرآن إلى ما في هذا الكون من دلائل على وحدانيَّته سبحانه، وصدق نبيّه فيما أخبر عنه، وما ينتظر الناس من حسابٍ وجزاءٍ، أخذَ بعرض المشاهد التاريخية التي تُجسِّد عُمقَ الصراع بين الحقِّ والباطل؛ بين دعوة النبيِّين وبين أولئك الضالِّين المُكذِّبين:
أولًا: يعرض القرآنُ قصَّة إبراهيم
عليه السلام؛ إذ جاءه ضيوفه المكرمون، وهو لا يعرفهم
﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ ضَیۡفِ إِبۡرَ ٰهِیمَ ٱلۡمُكۡرَمِینَ ﴿٢٤﴾ إِذۡ دَخَلُواْ عَلَیۡهِ فَقَالُواْ سَلَـٰمࣰاۖ قَالَ سَلَـٰمࣱ قَوۡمࣱ مُّنكَرُونَ﴾ فلمّا قدَّم لهم القِرَى خافَ منهم؛ لأنّهم أبَوا أن يأكلوا من طعامه، ثم كانت مفاجأته أنّهم لم يكونوا من البشر، بل هم ملائكة الرحمن
﴿فَرَاغَ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦ فَجَاۤءَ بِعِجۡلࣲ سَمِینࣲ ﴿٢٦﴾ فَرَاغَ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦ فَجَاۤءَ بِعِجۡلࣲ سَمِینࣲ ﴿٢٧﴾ فَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِیفَةࣰۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَـٰمٍ عَلِیمࣲ﴾.
إبراهيمُ على كِبَره لم يكن قد وُلِد له، وكانت امرأتُه تسمَع تبشيرَ الملائكة فاستغرَبَت
﴿فَأَقۡبَلَتِ ٱمۡرَأَتُهُۥ فِی صَرَّةࣲ فَصَكَّتۡ وَجۡهَهَا وَقَالَتۡ عَجُوزٌ عَقِیمࣱ﴾ فأجابَها الملائكة:
﴿قَالُواْ كَذَ ٰلِكِ قَالَ رَبُّكِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡحَكِیمُ ٱلۡعَلِیمُ﴾ بعدها أخذ إبراهيم يسألهم عن المُهِمَّة التي جاءوا من أجلها:
﴿۞ قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَیُّهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ ﴿٣١﴾ قَالُوۤاْ إِنَّـاۤ أُرۡسِلۡنَاۤ إِلَىٰ قَوۡمࣲ مُّجۡرِمِینَ ﴿٣٢﴾ لِنُرۡسِلَ عَلَیۡهِمۡ حِجَارَةࣰ مِّن طِینࣲ ﴿٣٣﴾ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُسۡرِفِینَ﴾ وهؤلاء القوم الذين أذِنَ الله بهلاكهم هم قوم لوطٍ
عليه السلام، بعد أن نجّاه الله ومَن معه من المؤمنين
﴿فَأَخۡرَجۡنَا مَن كَانَ فِیهَا مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ﴿٣٥﴾ فَمَا وَجَدۡنَا فِیهَا غَیۡرَ بَیۡتࣲ مِّنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ ﴿٣٦﴾ وَتَرَكۡنَا فِیهَاۤ ءَایَةࣰ لِّلَّذِینَ یَخَافُونَ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِیمَ﴾.
وفي هذه القصة دلائِل على قُدرة الله، وأنّه سبحانه يخلق ما يشاء ويرزق من يشاء، وفيها أنَّ عِلْمَ الإنسان مهما بلغ فهو محدودٌ، فهذا إبراهيم رسولٌ من أُولي العزم ولم يعلم مَنْ هم ضيوفه حتى تفاجَأَ أنّهم لا يأكلون الطعام، وفي القصة أيضًا بيانٌ لعاقبة الظالمين المُكذِّبين.
ثانيًا: بعد قصَّة إبراهيم
عليه السلام، لخَّصَ القرآن قصَّة موسى
عليه السلام وهو يُواجِهُ فرعونَ وجُندَه وكيف كذَّبوه، فأهلَكَهم الله كما أهلَكَ أسلافَهم
﴿وَفِی مُوسَىٰۤ إِذۡ أَرۡسَلۡنَـٰهُ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ بِسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینࣲ ﴿٣٨﴾ فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَـٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونࣱ ﴿٣٩﴾ فَأَخَذۡنَـٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَـٰهُمۡ فِی ٱلۡیَمِّ وَهُوَ مُلِیمࣱ﴾.
ثالثًا: ثم ذكَّرَ القرآن بعاقبة عادٍ وهم قوم هودٍ
عليه السلام بعد أن ردُّوه وكذَّبوه
﴿وَفِی عَادٍ إِذۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمُ ٱلرِّیحَ ٱلۡعَقِیمَ ﴿٤١﴾ مَا تَذَرُ مِن شَیۡءٍ أَتَتۡ عَلَیۡهِ إِلَّا جَعَلَتۡهُ كَٱلرَّمِیمِ﴾.
رابعًا: وذكَّرَ كذلك بعاقبة ثمود وهم قوم صالحٍ
عليه السلام بعد أن ردُّوه وكذَّبوه
﴿وَفِی ثَمُودَ إِذۡ قِیلَ لَهُمۡ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِینࣲ ﴿٤٣﴾ فَعَتَوۡاْ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِمۡ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَهُمۡ یَنظُرُونَ ﴿٤٤﴾ فَمَا ٱسۡتَطَـٰعُواْ مِن قِیَامࣲ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِینَ﴾.
خامسًا: وفي الختام أشار إشارة سريعة إلى ما أصابَ قومَ
نوح عليه السلام، ومن المعلوم أنّهم أسبَق من كلِّ الأقوام الذين تقدَّموا، وكأنّ ذكرهم ما جاء إلَّا لبيان عُمق هذا الانحراف عن فِطرة التوحيد، وعُمق ذاك الصراع
﴿وَقَوۡمَ نُوحࣲ مِّن قَبۡلُۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمࣰا فَـٰسِقِینَ﴾.