يخبر تعالى أنَّ الساعة ـ وهي القيامة ـ اقتربت، وآن أوانُها، وحان وقتُ مجيئها، ومع هذا ؛ فهؤلاء المكذِّبون لم يزالوا مكذِّبين بها غير مستعدين لنزولها، ويريهم الله من الآيات العظيمة الدالَّة على وقوعها ما يؤمنُ على مثله البشرُ؛ فمن أعظم الآياتِ الدالَّة على صحَّة ما جاء به محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه لما طلب منه المكذِّبون أن يُرِيَهم من خوارق العادات ما يدلُّ على صحَّة ما جاء به وصدقه ؛ أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى
القمر، فانشقَّ بإذن الله فلقتين؛ فلقةً على جبل أبي قُبيس، وفلقةً على جبل قعيقعان، والمشركون وغيرهم يشاهدون هذه الآية العظيمة الكائنة في العالم العلويِّ، التي لا يقدر الخلقُ على التمويه بها والتخييل، فشاهدوا أمراً ما رأوا مثلَه، بل ولم يسمعوا أنَّه جرى لأحدٍ من المرسلين قبلَه نظيره، فانبهروا لذلك، ولم يدخُل الإيمانُ في قلوبهم، ولم يردِ الله بهم خيراً، ففزعوا إلى بهتهم وطغيانهم، وقالوا: سحرنا محمدٌ! ولكنَّ علامة ذلك أنكم تسألون من وَرَدَ عليكم من السفر؛ فإنَّه إن قدر على سحركم؛ لم يقدِرْ أن يسحرَ مَن ليس مشاهداً مثلكم! فسألوا كلَّ من قدم، فأخبروهم بوقوع ذلك، فقالوا:
{سحرٌ مستمرٌّ}! سحرنا محمدٌ وسحر غيرنا!! وهذا من البَهْتِ الذي لا يروج إلاَّ على أسفه الخلق وأضلِّهم عن الهدى والعقل.