أي: هو الغنيُّ بذاته عن جميع مخلوقاته، وهو واسعُ الجود والكرم، فكلُّ الخلق مفتقرون إليه، يسألونه جميع حوائجهم بحالهم ومقالهم، ولا يستغنون عنه طرفةَ عينٍ ولا أقلَّ من ذلك، وهو تعالى {كلَّ يوم هو في شأنٍ}: يغني فقيراً ويجبرُ كسيراً ويعطي قوماً، ويمنع آخرينَ، ويميتُ، ويُحيي، ويخفض، ويرفع ، لا يشغلُه شأنٌ عن شأنٍ، ولا تغلِّطُه المسائل، ولا يبرِمُه إلحاح الملحين، ولا طول مسألةِ السائلين. فسبحان الكريم الوهَّاب، الذي عمَّت مواهبه أهل الأرض والسماواتِ، وعمَّ لطفه جميع الخلق في كلِّ الآنات واللحظات، وتعالى الذي لا يمنعه من الإعطاء معصيةُ العاصين ولا استغناءُ الفقراء الجاهلين به وبكرمِهِ. وهذه الشؤون التي أخبر أنَّه [تعالى] {كلَّ يوم هو في شأنٍ}: هي تقاديره وتدابيره التي قدَّرها في الأزل وقضاها، لا يزال تعالى يمضيها وينفذها في أوقاتها التي اقتضتها حكمته، وهي أحكامُه الدينيَّة التي هي الأمر والنهي، والقدريَّة التي يُجريها على عباده مدَّة مقامهم في هذه الدار، حتى إذا تمَّتْ هذه الخليقة، وأفناهم الله تعالى، وأراد أن ينفِّذَ فيهم أحكام الجزاء ويريهم من عدله وفضله وكثرة إحسانه ما به يعرِفونه ويوحِّدونه؛ نقل المكلَّفين من دار الابتلاء والامتحان إلى دار الحيوان، وفرغ حينئذٍ لتنفيذ هذه الأحكام التي جاء وقتُها،