﴿إِذَا وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ﴾ إذا قامَت الساعة، وسمَّاها الواقعة؛ لتحقُّق وقوعها، ثم أكّد هذا التحقُّق بقوله:
﴿لَیۡسَ لِوَقۡعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾ بمعنى أنَّها ستقع يقينًا، ولن تجد لها آنذاك نفسًا تُكذّبها.
﴿خَافِضَةࣱ رَّافِعَةٌ﴾ أي: تخفض أقوامًا بكُفرهم وظُلمهم، وترفع آخرين بإيمانهم وصالح عملهم.
﴿إِذَا رُجَّتِ ٱلۡأَرۡضُ رَجࣰّا﴾ أي: زُلزِلت زِلزالًا، كما قال تعالى:
﴿إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا﴾ [الزلزلة: 1].
﴿وَبُسَّتِ ٱلۡجِبَالُ بَسࣰّا﴾ أي: فُتِّتَت، وهذا بعد أن يضرِبَها الزلزال الشديد.
﴿فَكَانَتۡ هَبَاۤءࣰ مُّنۢبَثࣰّا﴾ الهباء: ما لا وزن له مِمَّا تحمِلُه الريح؛ كالغُبار، و
الدخان، ومُنبَثًّا أي: مبثُوثًا في الفضاء لخِفَّته.
﴿وَكُنتُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰا ثَلَـٰثَةࣰ﴾ أي: أصنافًا ثلاثة، بمعنى أنّ الناس كلّهم سيكونون على ثلاثة أصناف.
﴿فَأَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَیۡمَنَةِ مَاۤ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَیۡمَنَةِ﴾ هؤلاء الذين يُعطَون كتبهم بأيمانهم علامةً على رضا الله عنهم، والسؤال لجَلب انتباه السامع أو القارئ وتهيئته للجواب.
﴿وَأَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَشۡـَٔمَةِ مَاۤ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَشۡـَٔمَةِ﴾ هؤلاء الذين يُعطَون كتبهم بشمالهم علامةً على شقاوتهم وسخط الله عليهم، والعرب تتيمَّن باليمين، وتتشاءم بالشمال، ومن ثَمَّ أطلق المشأمة على الشمال؛ ولذلك قال في الآخر عن هؤلاء أنفسهم:
﴿وَأَصۡحَـٰبُ ٱلشِّمَالِ مَاۤ أَصۡحَـٰبُ ٱلشِّمَالِ﴾.
﴿وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ ﴿١٠﴾ أُوْلَــٰۤىِٕكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ﴾ وهؤلاء صفوة مختارون، طارُوا فوق الحساب والكتاب، هؤلاء هم قادة الهُدى، الدالُّون على الله، المُعرِّفون به، والداعُون إليه، والمجاهدون في سبيله، هم الأنبياء والمرسلون، ومن ورِثَ عنهم هذه الأمانة فنابَ عنهم في تبليغها، إنّهم المُصلِحون الذين لا يكتَفُون بصلاح أنفسهم، إنّهم الذين قال فيهم
ﷺ: «إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ».
﴿ثُلَّةࣱ مِّنَ ٱلۡأَوَّلِینَ ﴿١٣﴾ وَقَلِیلࣱ مِّنَ ٱلۡـَٔاخِرِینَ﴾ والثُّلَّةُ تُوحِي بالكثرة، خاصَّةً أنّها جاءت في مُقابِل القِلَّة، وقد استشكَلَ هذا كثيرٌ من المُفسِّرين؛ إذ كيف يكون لأمةِ مُحمدٍ
ﷺ النصيب الأقل من هؤلاء الأخيار؟!
والذي شرَحَ الله صدري إليه وتشهد له القرائن الكثيرة: أنّ الأولين هم السابقون في كلِّ أمّة، والآخرين هم الآخرون من كلِّ أمة، فالصحابة الذين كانوا مع النبيِّ
ﷺ هم مَنْ يكثر فيهم هذا الصنف، ثم يقِلُّ شيئًا فشيئًا في الأجيال اللاحقة، وهكذا القول في أصحاب موسى وعيسى وكلّ الأنبياء السابقين
عليهم السلام، ويشهد لهذا حديث: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الذِيْنَ يَلُونَهُمْ ...» الحديث.
﴿عَلَىٰ سُرُرࣲ مَّوۡضُونَةࣲ﴾ أي: منظومة في أماكنها بنسَقٍ يُناسِب الراحةَ والسَّمَر، وقيل: إنّها منسُوجَة بالذهب ومُزيَّنة به.
﴿یَطُوفُ عَلَیۡهِمۡ وِلۡدَ ٰنࣱ مُّخَلَّدُونَ﴾ لخدمتهم.
﴿بِأَكۡوَابࣲ وَأَبَارِیقَ وَكَأۡسࣲ مِّن مَّعِینࣲ﴾ هذه أواني الشراب المعروفة.
﴿مَّعِینࣲ﴾ منبَع لا ينقَطِع.
﴿لَّا یُصَدَّعُونَ عَنۡهَا﴾ لا يُفرَّقُون عنها، بل هم مُجتمعون عليها متى أرادوا.
﴿وَلَا یُنزِفُونَ﴾ أي: لا يُصرَفون عنها، بمعنى أنّها موفُورة لهم متى شاءوا، والله أعلم.
﴿كَأَمۡثَـٰلِ ٱللُّؤۡلُوِٕ ٱلۡمَكۡنُونِ﴾ أي: المحفوظ في صدَفِه فلا تمسُّه شائبة.
﴿جَزَاۤءَۢ بِمَا كَانُواْ یَعۡمَلُونَ﴾ تأكيدٌ للعدل الإلهي الذي لا يظلم أحدًا، ولا يُحابِي أحدًا.
﴿لَا یَسۡمَعُونَ فِیهَا لَغۡوࣰا وَلَا تَأۡثِیمًا﴾ أي: لا يسمعون إلَّا ما يسرّهم ويُؤنسهم.
﴿إِلَّا قِیلࣰا سَلَـٰمࣰا سَلَـٰمࣰا﴾ استثناءٌ منقطعٌ، أي: يقال لهم: سلامًا سلامًا.
﴿فِی سِدۡرࣲ مَّخۡضُودࣲ﴾ مُثقلٍ بالثمر وخالٍ من الشوك.
﴿وَطَلۡحࣲ مَّنضُودࣲ﴾ وموزٍ مصفوف بعضه على بعض.
﴿وَظِلࣲّ مَّمۡدُودࣲ﴾ أي: وظلٍّ متصل؛ لاتصال شجر الجنَّة وكثافته.
﴿وَمَاۤءࣲ مَّسۡكُوبࣲ﴾ أي: جارٍ ومتدفِّق، كأنّه يتحدَّر من الأعالي.
﴿وَفُرُشࣲ مَّرۡفُوعَةٍ﴾ على الأسِرَّة.
﴿إِنَّـاۤ أَنشَأۡنَـٰهُنَّ إِنشَاۤءࣰ﴾ أي: الحُور العين، والعبارة تُوحِي بالعناية التامَّة بخَلقهنَّ وتكوينهنَّ.
﴿أَبۡكَارًا﴾ لم يقربهنَّ أحد.
﴿عُرُبًا﴾ جمع عَرُوب؛ وهي المرأة المتحبِّبة لزوجها.
﴿أَتۡرَابࣰا﴾ أي: مستوِيات في السنِّ، ولا تفاوُت بينهنّ بكِبَرٍ أو صِغَرٍ.
﴿لِّأَصۡحَـٰبِ ٱلۡیَمِینِ ﴿٣٨﴾ ثُلَّةࣱ مِّنَ ٱلۡأَوَّلِینَ ﴿٣٩﴾ وَثُلَّةࣱ مِّنَ ٱلۡـَٔاخِرِینَ﴾ أي: في كلِّ أُمّةٍ من أتباع النبيين مجموعة من أهل اليمين في الأولين، ومجموعة منهم في الآخرين؛ وعلى هذا فأهل اليمين هم عامَّةُ أهل الجنّة، أمَّا خواصُّهم فهم المقرّبون الذين يكثُرون في صدر كلِّ أُمّةٍ مؤمنةٍ، ويقلُّون في أواخرها.
﴿وَأَصۡحَـٰبُ ٱلشِّمَالِ مَاۤ أَصۡحَـٰبُ ٱلشِّمَالِ﴾ هم أنفسهم أصحاب المشأمة الذين تقدَّم ذِكرهم في صدر السورة.
﴿سَمُومࣲ﴾ الريح الحارة.
﴿وَحَمِیمࣲ﴾ الماء الحار.
﴿وَظِلࣲّ مِّن یَحۡمُومࣲ﴾ من دخانٍ.
﴿لَّا بَارِدࣲ وَلَا كَرِیمٍ﴾ وصفٌ للظلِّ الذي هو مِن يَحمُوم.
﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَ ٰلِكَ مُتۡرَفِینَ﴾ تعليلٌ لما هم فيه من العذاب بأنّهم كانوا في الدنيا مُترفين الترَفَ الذي أنساهم ذكرَ الله، وأشغَلَهم عن الاستعداد لهذا اليوم.
﴿وَكَانُواْ یُصِرُّونَ عَلَى ٱلۡحِنثِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ أي: يُصِرُّون على الشِّركِ وإنكارِ الآخرة، وسمَّاه حِنثًا؛ لأنّهم كانوا يُقسِمُون عليه وما كانوا صادقين.
﴿أَوَءَابَاۤؤُنَا ٱلۡأَوَّلُونَ﴾ تقدَّم معنى (أَوَ) وأنّها مُركَّبة من: واو العطف، وهمزة الاستفهام؛ فأصلُ الكلام: وَأآباؤنا، فقُدِّمت الهمزةُ على الواو؛ تخفيفًا في النُّطق، والله أعلم.
﴿زَقُّومࣲ﴾ من شجرةٍ خبيثةٍ أُعِدَّت طعامًا لأهل النار.
﴿فَشَـٰرِبُونَ شُرۡبَ ٱلۡهِیمِ﴾ الهِيْم: الإبل التي أصابها داء يُقال له: الهُيام، فيجعلها تشرب ولا ترتَوِي.
﴿هَـٰذَا نُزُلُهُمۡ یَوۡمَ ٱلدِّینِ﴾ أي: هذا ما أعَدَّه الله لهم يوم القيامة، وأصلُ النُّزُل: ما يُقدَّم للضَّيف.