وهذا الخطابُ يُحتمل أنه خطابٌ لأهل الكتاب، الذين آمنوا بموسى وعيسى عليهما السلام؛ يأمرهم أن يعملوا بمقتضى إيمانهم؛ بأن يتَّقوا الله فيتركوا معاصِيَه ويؤمنوا برسوله محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّهم إن فعلوا ذلك؛ أعطاهم الله {كِفْلَيْنِ من رحمتِهِ}؛ أي: نصيبين من الأجر؛ نصيبٍ على إيمانهم بالأنبياء الأقدمين، ونصيبٍ على إيمانهم بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -. ويُحتمل أن يكون الأمرُ عامًّا؛ يدخل فيه أهلُ الكتابِ وغيرُهم، وهذا الظاهر، وأنَّ الله أمرَهَم بالإيمان والتَّقوى، الذي يدخُلُ فيه جميع الدين ظاهره وباطنه أصوله وفروعه، وأنَّهم إن امتثلوا هذا الأمر العظيم؛ أعطاهم [اللَّه] {كِفْلَيْنِ من رحمتِهِ}؛ لا يعلم قدرهما ولا وصفَهما إلاَّ الله تعالى: أجرٌ على الإيمان وأجرٌ على التقوى، أو أجرٌ على امتثال الأوامر وأجرٌ على اجتناب النَّواهي، أو أنَّ التَّثنية المراد بها تكرار الإيتاء مرةً بعد أخرى. {ويَجْعَل لكم نوراً تمشون به}؛ أي: يعطيكم علماً وهدىً ونوراً تمشون به في ظُلُمات الجهل، ويغفر لكم السيئات، {والله ذو الفضل العظيم}: فلا يُسْتَغْرَبُ كثرةُ هذا الثواب على فضل ذي الفضل العظيم، الذي عمَّ فضلُه أهلَ السماواتِ والأرض؛ فلا يخلو مخلوقٌ من فضله طرفةَ عينٍ ولا أقلَّ من ذلك.