{ثم قَفَّيْنا}؛ أي: أتبعنا {على آثارِهم برُسُلِنا وقفَّيْنا بعيسى ابن مريم}: خصَّ الله عيسى عليه السلام؛ لأنَّ السياق مع النصارى، الذين يزعُمون اتِّباع عيسى، {وآتَيْناه الإنجيل}: الذي هو من كتب الله الفاضلة، {وجَعَلْنا في قلوب الذين اتَّبعوه رأفةً ورحمةً}؛ كما قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أشدَّ الناس عداوةً للذين آمنوا اليهودَ والذين أشركوا ولَتَجِدَنَّ أقرَبَهم مودَّةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأنَّ منهم قِسِّيسينَ ورُهْباناً وأنَّهم لا يستكبرونَ ... } الآيات، ولهذا كان النصارى ألين من غيرهم قلوباً حين كانوا على شريعة عيسى عليه السلام، {ورهبانيةً ابْتَدَعوها}: والرهبانيَّة العبادةُ؛ فهم ابتدعوا من عند أنفسهم عبادةً، ووظَّفوها على أنفسهم، والتزموا لوازم ما كتبها الله عليهم ولا فرضها، بل هم الذين التزموا بها من تلقاء أنفسهم؛ قصْدُهم بذلك رضا الله، ومع ذلك؛ {فما رَعَوْها حقَّ رعايتها}؛ أي: ما قاموا بها، ولا أدَّوْا حقوقها، فقصَّروا من وجهين: من جهة ابتداعهم، ومن جهة عدم قيامهم بما فَرَضوه على أنفسهم. فهذه الحالُ هي الغالبُ من أحوالهم، ومنهم من هو مستقيمٌ على أمر الله، ولهذا قال: {فآتَيْنا الذين آمنوا منهم أجْرَهُم}؛ أي: الذين آمنوا بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - مع إيمانهم بعيسى؛ كلٌّ أعطاه الله على حسب إيمانِهِ، {وكثيرٌ منهم فاسقونَ}.