{لا يقاتِلونَكم جميعاً}؛ أي: في حال الاجتماع {إلاَّ في قرىً محصَّنةٍ أو من وراءِ جُدُرٍ}؛ أي: لا يثبتون على قتالكم ولا يعزِمون عليه إلاَّ إذا كانوا متحصِّنين في القرى أو من وراء الجدر والأسوار؛ فإنهم إذ ذاك ربَّما يحصُل منهم امتناعٌ اعتماداً على حصونهم وجُدُرهم لا شجاعةً بأنفسهم، وهذا من أعظم الذَّمِّ. {بأسُهُم بينَهم شديدٌ}؛ أي: بأسهم فيما بينهم شديدٌ، لا آفة في أبدانهم ولا في قوَّتهم، وإنَّما الآفة في ضعف إيمانهم وعدم اجتماع كَلِمَتهم، ولهذا قال: {تحْسَبُهُم جميعاً}: حين تراهم مجتمعين ومتظاهرين، {و} لكن {قلوبُهم شتًّى}؛ أي: متباغضة متفرِّقة متشتِّتة. {ذلك}: الذي أوجب لهم اتِّصافهم بما ذُكِرَ {بأنَّهم قومٌ لا يعقلونَ}؛ أي: لا عقل عندهم ولا لبَّ؛ فإنَّهم لو كانت لهم عقولٌ؛ لآثروا الفاضل على المفضول، ولَما رضوا لأنفسهم بأبخس الخطَّتين، ولكانت كلمتُهم مجتمعةً وقلوبهم مؤتلفةً؛ فبذلك يتناصرون ويتعاضدون ويتعاونون على مصالحهم [ومنافعهم] الدينيَّة والدنيويَّة؛ مثل هؤلاء المخذولين من أهل الكتاب، الذين انتصر الله لرسوله منهم، وأذاقَهم الخزيَ في الحياة الدنيا، وعدمَ نصرِ مَنْ وعدَهم بالمعاونة.