يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه الإيمان ويقتضيه من لزوم تقواه سرًّا وعلانيةً في جميع الأحوال، وأن يراعوا ما أمرهم الله به من أوامرِهِ وشرائعهِ وحدودِه، وينظُروا ما لهم وما عليهم، وماذا حصلوا عليه من الأعمال التي تنفعهم أو تضرُّهم في يوم القيامةِ؛ فإنَّهم إذا جعلوا الآخرة نصبَ أعينهم وقبلةَ قلوبهم، واهتمُّوا للمقام بها؛ اجتهدوا في كثرة الأعمال الموصلة إليها وتصفيتها من القواطع والعوائق، التي توقِفُهم عن السير أو تَعوقُهم أو تصرِفهم، وإذا علموا أيضاً أنَّ {الله خبيرٌ بما}: يعملون، لا تخفى عليه أعمالُهم، ولا تضيع لديه، ولا يهملها؛ أوجب لهم الجدَّ والاجتهاد. وهذه الآية الكريمةُ أصلٌ في محاسبة العبد نفسَه، وأنَّه ينبغي له أن يتفقَّدها؛ فإنْ رأى زللاً؛ تداركه بالإقلاع عنه والتوبة النصوح والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصراً في أمر من أوامر الله؛ بذل جهدَه واستعانَ بربِّه في تتميمه وتكميله وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيرِهِ؛ فإن ذلك يوجب له الحياء لا محالة.