ولمَّا بيَّن تعالى لعباده ما بيَّن، وأمر عباده ونهاهم في كتابه العزيز؛ كان هذا موجباً لأن يبادروا إلى ما دعاهم إليه وحثَّهم عليه، ولو كانوا في القسوة وصلابة القلوب كالجبال الرواسي؛ فإنَّ هذا القرآن لو أنزله {على جبل؛ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله}؛ أي: لكمال تأثيره في القلوب؛ فإنَّ مواعظَ القرآن أعظمُ المواعظ على الإطلاق، وأوامره ونواهيه محتويةٌ على الحكم والمصالح المقرونة بها وهي من أسهل شيء على النفوس وأيسرها على الأبدان، خاليةٌ من التكلُّف ، لا تناقض فيها ولا اختلاف ولا صعوبة فيها ولا اعتساف، تصلُحُ لكل زمانٍ ومكانٍ، وتليقُ لكلِّ أحدٍ. ثم أخبر تعالى أنه يضرِبُ للناس الأمثال، ويوضِّح لعباده [في كتابه] الحلال والحرام؛ لأجل أن يتفكَّروا في آياته ويتدبَّروها؛ فإنَّ التفكر فيها يفتح للعبد خزائن العلم، ويبيِّن له طرق الخير والشرِّ، ويحثُّه على مكارم الأخلاق ومحاسن الشِّيم، ويزجرُه عن مساوئ الأخلاق؛ فلا أنفع للعبد من التفكُّر في القرآن والتدبُّر لمعانيه.