يقول تعالى: {أوَمَن كان}: من قبل هداية الله له {مَيْتاً}: في ظلمات الكفر والجهل والمعاصي، {فأحييناهُ}: بنور العلم والإيمان والطاعة، فصار يمشي بين الناس في النور، متبصراً في أموره، مهتدياً لسبيله، عارفاً للخير، مؤثراً له، مجتهداً في تنفيذه في نفسه وغيره، عارفاً بالشر، مبغضاً له، مجتهداً في تركه وإزالته عن نفسه وعن غيره، أفيستوي هذا بمن هو في الظلمات؟ ظلمات الجهل والغي والكفر والمعاصي، {ليس بخارج منها}، قد التبستْ عليه الطرق، وأظلمت عليه المسالكُ، فحضره الهمُّ والغمُّ والحزن والشقاء، فنبه تعالى العقولَ بما تدركه وتعرفه أنه لا يستوي هذا ولا هذا كما لا يستوي الليل والنهار والضياء والظلمة والأحياء والأموات، فكأنه قيل: فكيف يؤثِرُ مَن له أدنى مُسْكةٍ من عقل أن يكون بهذه الحالة وأن يبقى في الظلمات متحيراً؟! فأجاب بأنه {زُيِّنَ للكافرين ما كانوا يعملونَ}، فلم يزل الشيطانُ يحسِّنُ لهم أعمالهم ويزيِّنُها في قلوبهم حتى استحسنوها ورأوها حقًّا وصار ذلك عقيدةً في قلوبهم وصفةً راسخةً ملازمةً لهم؛ فلذلك رضوا بما هم عليه من الشرِّ والقبائح.