وإنما ثبتَ أكابر المجرمين على باطلهم، وقاموا بردِّ الحقِّ الذي جاءت به الرسل، حسداً منهم وبغياً، فقالوا: {لن نؤمنَ حتَّى نُؤتى مثلَ ما أوتي رسلُ الله}: من النبوة والرسالة، وفي هذا اعتراض منهم على الله، وعجبٌ بأنفسهم، وتكبُّرٌ على الحقِّ الذي أنزله على أيدي رسله، وتحجُّرٌ على فضل الله وإحسانه، فردَّ الله عليهم اعتراضهم الفاسد، وأخبر أنهم لا يصلحون للخير، ولا فيهم ما يوجِبُ أن يكونوا من عبادِ الله الصالحين، فضلاً أن يكونوا من النبيين والمرسلين، فقال: {الله أعلم حيثُ يجعلُ رسالَتَه}؛ فمَنْ عَلِمَهُ يَصْلُحُ لها ويقوم بأعبائها وهو متَّصفٌ بكلِّ خلق جميل ومتبرئ من كل خلق دنيء، أعطاه الله ما تقتضيه حكمتُه أصلاً وتبعاً، ومَن لم يكن كذلك؛ لم يضع أفضل مواهبه عند من لا يستأهله ولا يزكو عنده. وفي هذه الآية دليل على كمال حكمة الله تعالى: لأنَّه وإن كان تعالى رحيماً واسع الجود كثير الإحسان؛ فإنه حكيمٌ لا يضع جوده إلا عند أهله. ثم توعَّد المجرمين، فقال: {سيصيبُ الذين أجرموا صَغارٌ عند الله}؛ أي: إهانةٌ وذُلٌّ؛ كما تكبَّروا على الحقِّ؛ أذلَّهم الله، {وعذابٌ شديدٌ بما كانوا يمكُرون}؛ أي: بسبب مكرِهم لا ظلماً منه تعالى.