سورة الأنعام تفسير مجالس النور الآية 105

وَكَذَ ٰ⁠لِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ وَلِیَقُولُواْ دَرَسۡتَ وَلِنُبَیِّنَهُۥ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ ﴿١٠٥﴾

تفسير مجالس النور سورة الأنعام

المجلس الثامن والخمسون: الوحيُ والحياة


من الآية (91- 107)


حاجة الحياة إلى الوحي لا تقِلُّ عن ضرورة الحياة نفسها؛ فانبثاق الحياة لا يزال اللغز الأكبر في المعارف الإنسانية، وهو الذي يجعل الإنسان يعيش حياةً عبثيَّةً، لا يدري المنشأ ولا يدري المصير، ولا يعرف غايةً لوجوده سوى المتاع، وهو هنا يغالط نفسه، فقدرته على المتاع لا تتجاوز سوى مرحلة عمريَّة وسطيَّة، قبلها طفولة يعيش فيها عالَةً على أبَوَيه، وحين يكبر تعتَرِيه الأمراض وآثار الشيخوخة حتى يعودَ كما بدأ بحاجةٍ إلى عنايةٍ ورعايةٍ، ومرحلة الشباب ليست خالِصةً من المُنغِّصات من فقرٍ ومرضٍ وحوادثَ وكوارثَ، فما قيمةُ الحياة إن كان هذا مبلغها؟
الوحي يفتح نافذةً لما قبل الحياة، ولما بعدها أيضًا، ويرسم الغاية الكليَّة وسبيل تحققها والوصول إليها، وفي هذه الآيات إضاءات وإشارات على هذا السبيل:
أولًا: إن هذه الحياة ليست عبَثًا ولا مصادفةً، ولا يمكن لها أن تكون كذلك ﴿۞ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ یُخۡرِجُ ٱلۡحَیَّ مِنَ ٱلۡمَیِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَیِّتِ مِنَ ٱلۡحَیِّ ۚ﴾، ﴿وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰ⁠حِدَةࣲ فَمُسۡتَقَرࣱّ وَمُسۡتَوۡدَعࣱۗ﴾ ، ﴿بَدِیعُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ﴾.
ثانيًا: إن النظام الذي يضبِطُ حركة الحياة ويؤلِّف بين أجزائها ومفرداتها شاهد على نفيِ العَبَث والفوضى في أصل الخلقة ﴿فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّیۡلَ سَكَنࣰا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانࣰاۚ ذَ ٰ⁠لِكَ تَقۡدِیرُ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡعَلِیمِ ﴿٩٦﴾ وَهُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ﴾، ﴿وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَیۡءࣲ﴾.
ثالثًا: إن الذي يشاهد كلَّ هذا النظام فيلوذ بالجحود والنكران بذريعة أنه لم يَرَ الخالق، إنما هو مكابرٌ معاندٌ، فدلالة الأثر على المؤثِّر دلالة عقليَّة فطريَّة علميَّة يتعامل معها الإنسان في حياته اليومية دون تكلُّف.
فمن سُرِقَ ماله خفية لا يمكنه أن ينكر وجود السارق، ومن وجد كتابًا ليس عليه اسم مؤلِّفه أو صورته لا يمكنه أن يُنكِر وجود المؤلِّف ﴿لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَهُوَ یُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَـٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِیفُ ٱلۡخَبِیرُ﴾، ﴿قَدۡ جَاۤءَكُم بَصَاۤىِٕرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِیَ فَعَلَیۡهَاۚ ﴾.
رابعًا: إن الذي أبدع هذا الخلق لا يمكن أن يتركه للضياع دون هدايةٍ وتعليمٍ، وذلك هو معنى الوحي ﴿وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦۤ إِذۡ قَالُواْ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرࣲ مِّن شَیۡءࣲۗ ﴾ فمقتضى الحكمة أن صانع الشيء لا يهمله.
ومن هنا يأتي الربط بين حقيقة الخلق وحقيقة الوحي ﴿قُلۡ مَنۡ أَنزَلَ ٱلۡكِتَـٰبَ ٱلَّذِی جَاۤءَ بِهِۦ مُوسَىٰ نُورࣰا وَهُدࣰى لِّلنَّاسِۖ﴾، ﴿وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ مُبَارَكࣱ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِی بَیۡنَ یَدَیۡهِ﴾، ﴿وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰ⁠حِدَةࣲ فَمُسۡتَقَرࣱّ وَمُسۡتَوۡدَعࣱۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَفۡقَهُونَ﴾، ﴿ذَ ٰ⁠لِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ خَـٰلِقُ كُلِّ شَیۡءࣲ فَٱعۡبُدُوهُۚ﴾، ﴿ٱتَّبِعۡ مَاۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ﴾.
خامسًا: إن ابتعادَ الإنسان عن الوحي الحق يجعله نَهبًا للجهل والخرافة، والدعاوى الباطلة، والشعارات الخادعة التي تستعبده وتذلُّه وتقهَرُه ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِیَ إِلَیَّ وَلَمۡ یُوحَ إِلَیۡهِ شَیۡءࣱ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَاۤ أَنزَلَ ٱلـلَّـهُۗ﴾، ﴿وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاۤءَ ٱلۡجِنَّ وَخَلَقَهُمۡۖ وَخَرَقُواْ لَهُۥ بَنِینَ وَبَنَـٰتِۭ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یَصِفُونَ ﴿١٠٠﴾ بَدِیعُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَنَّىٰ یَكُونُ لَهُۥ وَلَدࣱ وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ صَـٰحِبَةࣱۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَیۡءࣲۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ﴾.
سادسًا: إن إغماضَ العين عن الحقيقة لن يَحُول أبدًا دون مُواجهتها، وخيرٌ للإنسان أن يفكِّر بذلك المصير قبل الوصول إليه ﴿وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَ ٰ⁠دَىٰ كَمَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةࣲ وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَـٰكُمۡ وَرَاۤءَ ظُهُورِكُمۡۖ ﴾ هناك سيخسر الظالمون المتكبِّرُون ﴿وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِی غَمَرَ ٰ⁠تِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَــٰۤىِٕكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَیۡدِیهِمۡ أَخۡرِجُوۤاْ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡیَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ ﴾ ولن ينجو كذلك الرعاع الذين غرَّهُم الشركاء المزيَّفون والشفعاء الكاذبون ﴿وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمۡ شُفَعَاۤءَكُمُ ٱلَّذِینَ زَعَمۡتُمۡ أَنَّهُمۡ فِیكُمۡ شُرَكَـٰۤؤُاْۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَیۡنَكُمۡ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ ﴾.


﴿وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦۤ إِذۡ قَالُواْ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرࣲ مِّن شَیۡءࣲۗ﴾ إنكار الوحي جملةً فيه انتقاصٌ من مقام الألوهيَّة؛ إذ مُؤدَّاه أن الله خلق الخلق ثم تركهم، وهذا لا يليق بحقِّ أيِّ صانعٍ، فكيف بخالق هذا الكون العظيم؟
وهو قولُ بعض علماء الطبيعة اليوم الذين آمنوا بالخالق لتفسير عِلِّيَّة الخلق، ثم تنصَّلوا عن الدين، وتكبَّروا على الوحي، وهو لا يختلف عن موقف المشركين السابقين الذين تُناديهم فطرتهم بالإيمان ثم يصدُّون عن الرسول حسدًا وكِبرًا.
﴿ثُمَّ ذَرۡهُمۡ فِی خَوۡضِهِمۡ یَلۡعَبُونَ﴾ دلالة أن منكري الوحي لا ينطلقون من تفكيرٍ جادٍّ، ورأيٍّ مدروسٍ، بل هو الهوى واللعب بالحقائق العلميَّة والدينيَّة على حسب أهوائهم.
﴿وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ﴾ مكة، وهي أكبر القرى وأصلها الذي ترجِع إليه في شؤون العبادة والتجارة وغيرهما، والنذارة ليست قاصِرَة على مكة وما حولها، بدليل قوله: ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا كَاۤفَّةࣰ لِّلنَّاسِ﴾ [سبأ:28]، فالعام يتضمن الخاص دون تعارُض أو تضاد.
﴿أَوۡ قَالَ أُوحِیَ إِلَیَّ وَلَمۡ یُوحَ إِلَیۡهِ شَیۡءࣱ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَاۤ أَنزَلَ ٱلـلَّـهُۗ ﴾ التحذير من طريقَين من طرق الضلال؛ ادِّعاء النبوة كذبًا كما فعل مُسيلمة وغيره، وإعطاء البشر حقِّ التشريع من دون الوحي، وهو حالُ الأنظمة المعاصرة التي تدَّعِي ضمنًا أن قوانينها الوضعية أصلَح للحياة من الوحي.
﴿أَخۡرِجُوۤاْ أَنفُسَكُمُۖ﴾ على سبيل التحدِّي، بمعنى: أنكم لو كنتم تملكون من الأمر شيئًا فأنقذوا أنفسكم من هذا العذاب وأفلتوا بها عن طوق الموت.
﴿وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَ ٰ⁠دَىٰ كَمَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةࣲ ﴾ إشارةٌ إلى أن الحياة الاجتماعيَّة مرحلةٌ مؤقَّتةٌ ومحدودةٌ في حياة الإنسان، فهو قد وُلد فَرْدًا ثم يموت فردًا، وأنه كذلك يحاسَب فردًا حتى في أعماله الجماعيَّة أو الاجتماعيَّة، والصلة الثابتة والدائمة إنما هي صلة الإنسان بربِّه والمخلوق بخالقه.
﴿وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَـٰكُمۡ وَرَاۤءَ ظُهُورِكُمۡۖ﴾ من مالٍ ومتاعٍ؛ حيث لم يكن سوى عارية على سبيل التخويل لا التمليك الدائم.
﴿وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمۡ شُفَعَاۤءَكُمُ ٱلَّذِینَ زَعَمۡتُمۡ أَنَّهُمۡ فِیكُمۡ شُرَكَـٰۤؤُاْۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَیۡنَكُمۡ﴾ أي: تقطَّعَ ما كان سببًا في وَصلِكم من التصوُّرات الخاطِئة، والمُعتقَدَات الفاسدة.
﴿فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ﴾ لإنبات الزرع والشجر، ولولا ذلك لما استمرَّت الحياة.
﴿یُخۡرِجُ ٱلۡحَیَّ مِنَ ٱلۡمَیِّتِ﴾ إذ أصل الخلق كان من التراب الذي ليس فيه روح، ثم يكون من النطفة والحبة والنوى، وهي أشياء جامدة وإن كانت فيها مقوِّمات الحياة الأولى، لكنها أشبَه بالميت في جمودها وسكونها وعدم قُدرتها على الحركة.
﴿وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَیِّتِ مِنَ ٱلۡحَیِّ ۚ ﴾ في دورة الحياة المألوفة؛ حيث تخرج البذرة الجامدة من الشجرة النامية، وتخرج البيضة الساكنة من الطائر المتحرِّك، وفي الآية إشارة إلى أن الأصل في هذه الدورة هو خلق الكائن الحي، ثم تخرج منه النطفة والبيضة والبذرة بدلالة (مُخرِج) الذي يعني: الثبوت والاستقرار، بخلاف ﴿یُخۡرِجُ﴾ الذي يفيد التكرار، وقصة خلق آدم تعضد هذا التدبّر.
أما تفسيره بإخراج المؤمن من والدٍ كافرٍ، وإخراج الكافر من والدٍ مؤمنٍ ونحوه فهو مُستبعَد في السياق، وإن كان محتملًا بطريق الإشارة.
﴿وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانࣰاۚ﴾ إشارة إلى أهميَّة علم الحساب، وأنه معتبر، بخلاف من ظنَّ أنه يُعارض الرؤيةَ الشرعيّةَ للهلال؛ إذ الرؤية وسيلةٌ كما الحساب، والمقصود إدراك حركة الأهِلَّة، وضبط دخول الأشهر القمريَّة وخروجها، وربما كانت الرؤية متعيِّنة لضعف هذا العلم في العصور الغابِرة، أما وقد تقدَّم حتى صار أكثر دقَّة من الرؤية، فلا دليلَ على المنع، والله أعلم.
﴿وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰ⁠حِدَةࣲ﴾ يعني: آدم عليه السلام، فحواء خلقها الله منه، ثم تكاثَرَ النسل بهما.
﴿فَمُسۡتَقَرࣱّ وَمُسۡتَوۡدَعࣱۗ﴾ الأظهر أنهما مصدران لبيان الحال، كأنه قال: مستقرون في الأرض ومستودعون فيها إلى آجالكم المعلومة، فلولا الاستقرار لما صحَّ التكليف، ولولا الاستيداع لظنَّ الناس أنهم مخلدون فيها، فالاستقرار إنما كان بقدر تحقق غاية الاستخلاف والاختبار، وبعدها تردُّ الودائع، كما قيل:
ومَا المَالُ والأَهْلُونَ إلَّا وَدِيعَةٌ
وَلَا بُدَّ يومًا أَن تُرَدَّ الوَدائِعُ

﴿حَبࣰّا مُّتَرَاكِبࣰا﴾ الذي يركب بعضه بعضًا كما في سنابل القمح والشعير.
﴿قِنۡوَانࣱ دَانِیَةࣱ﴾ هي عذوق الرطب القريبة من التناول.
﴿مُشۡتَبِهࣰا وَغَیۡرَ مُتَشَـٰبِهٍۗ﴾ الشَّبَه في الشجر، والتمايُز في الثمر، حتى إنك ترى البساتين كأنها شيء واحد بأصولها وأغصانها وأوراقها، فإذا بانَ الثمر عرفت هذه من هذه.
﴿وَیَنۡعِهِۦۤۚ﴾ الثمر إذا نضج.
﴿وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاۤءَ ٱلۡجِنَّ﴾ بالخوف منهم وتعظيمهم وطاعة شياطينهم، وإن كانت العبادة مصروفة للأصنام، كما قال إبراهيم لأبيه: ﴿یَـٰۤأَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّیۡطَـٰنَۖ ﴾ [مريم: 44]، فالشيطان أصل الضلال، والله أعلم.
﴿وَخَرَقُواْ لَهُۥ بَنِینَ وَبَنَـٰتِۭ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲۚ ﴾ كقول النصارى ببنوَّة عيسى، وقول المشركين: إن الملائكة بنات الله، وخرقوا: اختلقوا كذبًا وزورًا.
﴿بَدِیعُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ﴾ مبدعهما، وموجدهما من العدم.
﴿لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ ﴾ أي: لا تحيط به الأبصار لعظمته وجبروته، وأما رؤية الآخرة، فهي رؤية تليق بجلاله وعظمته، ومقتضى الرؤية غير مقتضى الإدراك، والله أعلم.
﴿وَمَنۡ عَمِیَ فَعَلَیۡهَاۚ ﴾ مجاز في مجانبة الحقِّ والصدِّ عنه.
﴿وَلِیَقُولُواْ دَرَسۡتَ ﴾ هي تهمة لإنكار الوحي، كأنهم ينسبون القرآن إلى علمٍ بشريٍّ كَسْبيٍّ منسوبٍ لحبرٍ أو كاهنٍ.
﴿وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ مَاۤ أَشۡرَكُواْۗ ﴾ هي مشيئته المطلقة التي أتاحت للإنسان حريَّة الاختيار، وبهذا يفوز أو يخسر، ولو شاء الله لجعلنا ملائكة بلا تكليف ولا اختبار، وليس في الآية مُتنفَّس لأهل الجبر الذين يظنُّون أن الله أجبَرَ الكافرين على كفرهم، فهذا مُنافٍ لحكمة الخلق، ولحكمة التكليف والابتلاء.