فقال تعالى: {يا أيُّها الذين آمنوا}؛ أي: اعملوا بمقتضى إيمانكم من ولايةِ مَنْ قام بالإيمان ومعاداة من عاداه؛ فإنَّه عدوٌّ لله وعدوٌّ للمؤمنين، فـ {لا تتَّخذوا عدوِّي وعدوَّكم أولياءَ تُلْقون إليهم بالمودَّة}؛ أي: تسارعون في مودَّتهم والسعي في أسبابها؛ فإنَّ المودَّة إذا حصلت؛ تبعتْها النصرةُ والموالاةُ، فخرج العبد من الإيمان، وصار من جملة أهل الكفران [وانفصل عن أهل الإيمان]. وهذا المتَّخذُ للكافر وليًّا عادمُ المروءة أيضاً؛ فإنَّه كيف يوالي أعدى أعدائه، الذي لا يريد له إلاَّ الشرَّ، ويخالف ربَّه ووليَّه الذي يريد به الخير، ويأمره به ويحثُّه عليه. ومما يدعو المؤمن أيضاً إلى معاداة الكفار أنَّهم قد كفروا بما جاء المؤمنين من الحقِّ، ولا أعظم من هذه المخالفة والمشاقَّة؛ فإنَّهم قد كفروا بأصل دينكم، وزعموا أنَّكم ضلاَّلٌ على غير هدىً، والحالُ أنَّهم كفروا بالحقِّ الذي لا شكَّ فيه ولا مريةَ، ومن ردَّ الحقَّ؛ فمحالٌ أن يوجد له دليلٌ أو حجَّةٌ تدلُّ على صحة قوله. بل مجرَّد العلم بالحقِّ يدلُّ على بطلان قول من ردَّه وفساده. ومن عداوتهم البليغة أنَّهم {يُخْرِجون الرسولَ وإيَّاكم}: أيُّها المؤمنون من دياركم ويشرِّدونكم من أوطانكم ولا ذنبَ لكم في ذلك عندهم إلاَّ أنكم تؤمنون {بالله ربِّكم}: الذي يتعيَّن على الخلق كلِّهم القيام بعبوديَّته؛ لأنَّه ربَّاهم، وأنعم عليهم بالنِّعم الظاهرة والباطنة [وهو اللَّه تعالى]، فلمَّا أعرضوا عن هذا الأمر الذي هو أوجبُ الواجبات وقمتُم به؛ عادَوْكم وأخرجوكم من أجله من دياركم، فأيُّ دين وأيُّ مروءة وعقل يبقى مع العبد إذا والى الكفار الذين هذا وصفُهم في كلِّ زمانٍ أو مكان، ولا يمنعهم منه إلاَّ خوفٌ أو مانعٌ قويٌّ. {إن كنتُم خرجتُم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي}؛ أي: إن كان خروجُكم مقصودُكم به الجهادُ في سبيل الله لإعلاء كلمة الله وابتغاء رضاه؛ فاعملوا بمقتضى هذا من موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائهِ؛ فإنَّ هذا من أعظم الجهاد في سبيله، ومن أعظم ما يتقرَّب به المتقرِّبون إلى الله ويبتغون به رضاه. {تُسِرُّون إليهم بالمودَّةِ وأنا أعلمُ بما أخفيتُم وما أعلنتُم}؛ أي: كيف تسرُّون المودَّة للكافرين وتخفونها مع علمكم أنَّ الله عالمٌ بما تخفون وما تعلنون؛ فهو وإن خفي على المؤمنين؛ فلا يخفى على الله تعالى، وسيجازي العباد بما يعلمه منهم من الخير والشرِّ. {ومن يَفْعَلْه منكم}؛ أي: موالاة الكافرين بعدما حذَّركم الله منها، {فقد ضلَّ سواءَ السبيل}: لأنَّه سلك مسلكاً مخالفاً للشرع وللعقل والمروءة الإنسانيَّة.