﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ لَا تَـتَّـخِذُواْ عَدُوِّی وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِیَاۤءَ تُلۡقُونَ إِلَیۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ﴾ نزلت هذه الآيات في حاطِبِ بن أبي بَلْتَعَة.
وقد أخرج الشيخان في تفسير هذه السورة: عن عليٍّ قال: بعثَني رسول الله
ﷺ أنا والزبير والمقداد، فقال
ﷺ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِيْنَةٌ مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا».
قال: فانطَلقنا تَعادَى بنا خَيلُنا، حتى أتَينَا الروضة، فإذا نحن بالظَّعِينَة، قُلنا لها: أَخرِجِي الكتابَ، قالت: ما مَعِي كِتابٌ، فقُلنا: لتُخرِجِنَّ الكِتابَ أو لنُلقِيَنَّ الثِّيَاب، قال: فأخَرَجَتْه من عِقاصِهَا.
فأتَينَا رسولَ الله
ﷺ، فإذا فيه: مِن حاطِبِ بن أبي بَلْتَعَة إلى ناسٍ بمكَّة من المشركين، يُخبِرُهم ببعضِ أمرِ رسولِ الله
ﷺ، فقال رسول الله
ﷺ: «يَا حَاطِبُ! مَا هَذَا؟». قال: يا رسول الله! لا تَعجَلْ علَيَّ، إنِّي كُنتُ امرءًا مُلصَقًا في قريش - يقول: كُنتُ حَلِيفًا ولم أكُن من أنفسها -، وكان مَن معك من المُهاجِرين مَن لهم قَرَابات يَحمُون أهلِيهم وأموَالَهم، فأحبَبتُ إذ فاتَنِي ذلك من النَّسَبِ فيهم أن أتَّخِذَ عندهم يدًا يَحمُون قَرابَتِي، ولم أفعَلهُ ارتِدادًا عن دِينِي، ولا رِضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسولُ الله
ﷺ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ».
فقال عمر: يا رسول الله! دَعنِي أضرِبُ عُنقَ هذا المُنافِق، فقال: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيْكَ لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»، فأنزَلَ الله السورةَ:
﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ لَا تَـتَّـخِذُواْ عَدُوِّی وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِیَاۤءَ تُلۡقُونَ إِلَیۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَاۤءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ﴾.
ومن الواضح في القصة أنَّ ما فعله حاطِبٌ كان في ظرفٍ عسكريٍّ مُشدَّدٍ، ومع قريش التي كانت علاقتها بالمسلمين علاقة حربٍ، وهذا كلّه ينبغي أن يُؤخذ في الاعتبار، فلا يصحُّ تعميم ما نزل في هذه الحالة على أصل علاقة المسلمين بغيرهم.
﴿وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَاۤءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ یُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِیَّاكُمۡ﴾ بيان أنّ هؤلاء المشركين ليسوا كبقية الكافرين، بل هم كفارٌ مُحاربون، جمعوا مع إعلان الكفر إعلان العداوة، وقد كانت عداوتهم مبكِّرة من الأيام الأولى للبعثة حتى أكرَهوا المسلمين على الخروج من مكّة، ثم استمروا بعداوتهم هذه حتى نزول هذه الآيات.
﴿أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ﴾ تعليلٌ لعداوَتهم للمسلمين، بمعنى أنّهم لم يُعادُوكم ولم يُخرِجُوكم من دياركم إلَّا لأنّكم آمَنتُم بالله ربِّكم.
﴿إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَـٰدࣰا فِی سَبِیلِی وَٱبۡتِغَاۤءَ مَرۡضَاتِیۚ﴾ شرطٌ، وجوابُه مُقدَّرٌ ومعلومٌ من صدر الآية، أي: فلا تتخذوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُم أولياء.
﴿تُسِرُّونَ إِلَیۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ﴾ إشارةٌ إلى نُصح حاطِب لهم لئلَّا يأخذهم المسلمون على غِرَّة، وهذا فعل الناصح المُوِدّ، وإن كان قد قصَدَ شيئًا آخر.
﴿إِن یَثۡقَفُوكُمۡ﴾ أي: إن يظفَروا بكم.
﴿یَكُونُواْ لَكُمۡ أَعۡدَاۤءࣰ وَیَبۡسُطُوۤاْ إِلَیۡكُمۡ أَیۡدِیَهُمۡ وَأَلۡسِنَتَهُم﴾ أي: يُحاربوكم ويُقاتلوكم بأيديهم وألسنتهم، ولن تنفعكم مودَّتكم لهم.
﴿لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُمۡۚ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یَفۡصِلُ بَیۡنَكُمۡۚ﴾ فأهل الجَنَّة لا يلتَقون بأهل النار ولو كان بينهم في الدنيا ما كان من الرَّحِم والقرابة.
﴿إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ﴾ أي: تبرَّأنا منكم ومن كُفركِم وشِركِكم بالله، وبُرَءَاءُ: جمع بَرِيء.
﴿وَبَدَا بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمُ ٱلۡعَدَ ٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَاۤءُ﴾ وصفٌ لطبيعة العلاقة التي كانت بين إبراهيم ومَن معه من المؤمنين وبين قومهم المشركين.
﴿حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥۤ﴾ إذ كان الخلاف في التوحيد ودفاع المشركين عن أصناهم هو منشأ العداوة بين الفريقَين.
﴿إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَ ٰهِیمَ لِأَبِیهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ﴾ فهذا مُستثنى من عموم التأسِّي بهم، ومسألة استغفار المؤمن للمشرك مسألةٌ فقهيَّةٌ وليست من مسائل العقيدة، وخلاصةُ القول فيها: أنَّ استغفار المسلم لغيره إن كان بمعنى طلب الهداية له، فهذا أمرٌ مشروعٌ ولا غُبار عليه، وإن كان بمعنى طلب العفو عنه مع بقائه على الشرك، أو أنّه قد مات على الشرك فهذا محظورٌ؛ لقوله تعالى:
﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَغۡفِرُ أَن یُشۡرَكَ بِهِۦ وَیَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَ ٰلِكَ لِمَن یَشَاۤءُۚ﴾ وعلى هذا يُحملُ قوله تعالى:
﴿مَا كَانَ لِلنَّبِیِّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤاْ أَن یَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِینَ وَلَوۡ كَانُوۤاْ أُوْلِی قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ ﴿١١٣﴾ وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَ ٰهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةࣲ وَعَدَهَاۤ إِیَّاهُ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُۥۤ أَنَّهُۥ عَدُوࣱّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚﮊ﴾ [التوبة: 113، 114].
﴿رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةࣰ لِّلَّذِینَ كَفَرُواْ﴾ أي: لا تُمكّنهم منَّا فيفتنونا في ديننا، ويحتمل أيضًا أنّه: لا تجعَلنا سببًا في فتنتهم، أي: في بُعْدِهم عن الهداية، واستمرارهم في الضلالة؛ إذ الخصومة من شأنها أن تُوغِر الصدور فلا تدَع الخصم يسمع من خصمه ولو كان كلامه في مصلحته.
وعلى المعنى الثاني يكون التنبيه إلى أنّ المسلم لا يجوز له مُجاوزة الحدِّ في الخصومة بغير الأدب الشرعي، فلا ينتقص من المُعادي ولا يكذب عليه، ولا يشتم أباه وأُمَّه؛ لأنّ هذه تُبعِده عن طريق العودة والتوبة.
﴿۞ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَجۡعَلَ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَ ٱلَّذِینَ عَادَیۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةࣰۚ﴾ بمعنى أنّ هذه العداوة طارِئة بسبب موقف قريش منكم ومن دعوتكم، فإن تغيَّر موقفهم منكم ومن دينكم رجَعَت العلاقة إلى أصلها.
وفي الآية إشارتان:
الأولى: خبريَّةٌ تحملُ البشرى بإيمان قريش، وقد تحقَّقت هذه البشارة بفتح مكّة دون قتالٍ، ودخول الناس أفواجًا في دين الله.
والثانية: تشريعيَّةٌ بإطفاء الثارات وما يحصل بين المُتعادِين والمتخاصمين من شحناء وبغضاء، وهذا يتطلَّب حلمًا عظيمًا من قِبل المسلمين الذين اضطهدتهم قريش، واغتصبت ديارهم وأموالهم.
﴿لَّا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَلَمۡ یُخۡرِجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوۤاْ إِلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ﴾ هذا تأكيدٌ أنّ العداوة والبغضاء لها سببٌ مباشرٌ، وليس مُجرَّد الاختلاف في الدين؛ لأنَّ اختلاف الدين يُوجِب على المسلمين الدعوة وترغيب الآخرين في الإسلام، هذا هو الأصل في العلاقة، بل وهذا هو علَّةُ الرسالة كلّها
﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الأنبياء: 107]، فالكفار الذين لم يُعلِنوا عداوتهم للمسلمين ولم يقترفوا بحقِّهم إثمًا ولا ظلمًا فواجب المسلمين تجاههم القِسط والعدل، ولهم أن يزيدوا على ذلك بأنواع البِرِّ؛ كالصدقة على محتاجهم، ومعاونة ضعيفهم، وعيادة مريضهم، فكلّ ذلك من الأخلاق الحسنة التي ينبغي أن يحمِلَها المسلمون إلى غيرهم.
﴿إِنَّمَا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ قَـٰتَلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ﴾ هذا حصرٌ للجهة المُستثناة، وهي الجهة التي دخَلَت في حالة حرب مع المسلمين، فهذه لها أحكامها الخاصَّة والمناسبة لفقه الحرب، ولا شكّ أنّ مودّة هؤلاء ومبرَّتهم والتقرُّب إليهم حتى لو كان بذريعة الدعوة هو إضعافٌ للصف، وإرباكٌ له، وتهوينٌ من عزيمته؛ ولذلك توعَّد الله من يُوالِيهم بهذا الوعيد الشديد:
﴿وَمَن یَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَــٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾.
﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤاْ إِذَا جَاۤءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ مُهَـٰجِرَ ٰتࣲ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِیمَـٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَـٰتࣲ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ﴾ هذه من المسائل الدقيقة التي أفرَزَتها حالة العداء بين المسلمين وقريش؛ إذ كانت المرأة المسلمة تفِرُّ بدينها من مكّة وتلجَأ إلى المسلمين، وكان من بنود الحديبية أنّ على المسلمين أن يرُدُّوا من لجَأَ إليهم من مكّة، فأوضَحَت الآية أنّ المقصود بالبند هذا: الرجال دون النساء، ولأنّ صيغة البند للمُذكَّر، لكن يبقى على المسلمين التأكُّد من صدق هؤلاء النساء، ومن هنا طلب القرآن امتحانهنَّ بما مِن شأنه أن يحصل العلم بِصدقِهنَّ، وحُسنِ توجُّهِهنَّ.
﴿لَا هُنَّ حِلࣱّ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ یَحِلُّونَ لَهُنَّۖ﴾ هذا حكمٌ آخر ينهي العلاقة الزوجيَّة بين المؤمنات وأزواجهنَّ، ومُؤدَّاهُ تحريم الزواج بين المسلمين والمشركين بأي وجهٍ، كما سيأتي بيانه وإتمامه.
﴿وَءَاتُوهُم مَّاۤ أَنفَقُواْۚ﴾ أي: آتوا أزواجهنَّ ما أنفَقُوه عليهنَّ من المَهْرِ، أو ما كان لهم في ذِمتِهنَّ، وهذا من العدل الذي يُؤسّس الإسلام للتعامُل به حتى مع الكافر المُحارب.
﴿وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ﴾ الكوافِر: جمع كافِرة، والمقصود: أنَّ المسلم المتزوج من مشركةٍ عليه أن يُخلِّي سبيلها ولا يتمسَّك بها، إلَّا إذا اختارت الإسلام.
﴿وَسۡـَٔلُواْ مَاۤ أَنفَقۡتُمۡ﴾ أي: اطلبوا منهنَّ أو من ذويهنَّ المهرَ الذي دفعتموه لهنَّ.
﴿وَلۡیَسۡـَٔلُواْ مَاۤ أَنفَقُواْۚ﴾ تأكيدٌ لمبدأ العدل؛ فللمُشرك أن يطلب من المسلمين مهرَ زوجته المؤمنة إذا ترَكَتْه وهاجَرَت مع المسلمين، وفي الربط بين حقّ المشرك في المطالبة بمهر امرأته المؤمنة وحقّ المؤمن بالمطالبة بمهر امرأته الكافرة أنّ هذا يجب أن يكون بالاتفاق بين الفريقَين، بمعنى أنّ المشركين لو أبَوا أن يُعطوا للمسلمين مهورَ نسائهم المشركات، فللمسلمين أن يحجِزوا من أموال المشركين، أي: من مهور نسائهم المؤمنات ما يكفي لسدِّ النقص، وذلك قوله تعالى:
﴿وَإِن فَاتَكُمۡ شَیۡءࣱ مِّنۡ أَزۡوَ ٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَـَٔاتُواْ ٱلَّذِینَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَ ٰجُهُم مِّثۡلَ مَاۤ أَنفَقُواْۚ﴾.
﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِذَا جَاۤءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ یُبَایِعۡنَكَ عَلَىٰۤ أَن لَّا یُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَسۡرِقۡنَ وَلَا یَزۡنِینَ وَلَا یَقۡتُلۡنَ أَوۡلَـٰدَهُنَّ وَلَا یَأۡتِینَ بِبُهۡتَـٰنࣲ یَفۡتَرِینَهُۥ بَیۡنَ أَیۡدِیهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا یَعۡصِینَكَ فِی مَعۡرُوفࣲ فَبَایِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ﴾ فالمرأة المهاجرة عليها أن تلتزم بالطاعة والخضوع لنظام الدولة المسلمة، وهذا الخضوع يكون مُوثَّقًا بالبيعة الصريحة للنبي
ﷺ والمتضمنة نبذ الشرك، وتجنُّب السرقة، والزنا، وقتل الأولاد، وله صورتان: وأد البنات، وهي عادة جاهلية معروفة، وإجهاض الأجِنَّة للتخلُّص منها بأي طريقةٍ كانت، وتجنُّب البهتان، وهو عامٌّ في كلّ باطلٍ، ومنه: القذف ونسبتها لزوجها ولدًا ليس منه؛ بأن تلتَقِطَه فتدَّعِيه لها كأنّها هي من ولَدَتْه، وأخيرًا التعهُّد بطاعة الرسول
ﷺ في كلِّ ما يأمر به أو ينهى عنه، فالتِزامُ المرأة بهذه الشروط يؤكِّد صدقها وحُسن إسلامها، ومِن ثَمَّ يُبايعها الرسول
ﷺ، فتدخل في جملة المؤمنين.
﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ لَا تَتَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡ﴾ ختمت السورة بما استهلَّت به من تحريم موالاة المؤمنين لكلِّ كافرٍ مُعادٍ لله ولرسوله وللمسلمين، وقد ألحَقَت اليهود بالمشركين؛ لاشتراكهما في الكفر وفي عداوتهما للمؤمنين.
﴿قَدۡ یَىِٕسُواْ مِنَ ٱلۡأَخِرَةِ كَمَا یَىِٕسَ ٱلۡكُفَّارُ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلۡقُبُورِ﴾ هذه صِفةٌ أُخرى يشتَرِكُ فيها اليهودُ مع المُشركين، وهي أنّهم يائِسُون من نعيم الآخرة كما يئِسَ الكفَّار من موتاهم أن يعودُوا للحياة.
ومعنى أنّ اليهود يئِسوا من الآخرة، أي: هم محرُومون منها يقينًا، وليس معناه أنّهم يكفرون بها، فهم مع مخالفتهم للكفار في إنكار البعث، إلَّا أنَّهم مُشتركون معهم في العذاب؛ نتيجةً لظلمهم وعداوتهم لله ولرسوله، ومُعاونتهم للمشركين على شِركهم وظلمهم، والله أعلم.