أي: {وإذْ قال موسى لقومِهِ}: موبخاً لهم على صنيعهم، ومقرعاً لهم على أذيَّته، وهم يعلمون أنَّه رسول الله: {لم تُؤذونَني}: بالأقوال والأفعال، {وقد تعلمونَ أنِّي رسولُ الله إليكم}: والرسولُ من حقِّه الإكرام والإعظام والقيام بأوامره والابتدار لحكمِهِ، وأمَّا أذيَّة الرسول الذي إحسانُه إلى الخلق فوق كلِّ إحسان بعد إحسان الله؛ ففي غاية الوقاحة والجراءة والزيغ عن الصراط المستقيم، الذي قد عَلِموه وتَرَكوه، ولهذا قال: {فلمَّا زاغوا}؛ أي: انصرفوا عن الحقِّ بقصدهم، {أزاغَ الله قلوبَهم}: عقوبةً لهم على زيغهم الذي اختاروه لأنفسهم ورضوه لها، ولم يوفِّقْهم الله للهدى؛ لأنَّهم لا يَليقُ بهم الخير ولا يَصلُحون إلاَّ للشرِّ. {والله لا يهدي القومَ الفاسقينَ}؛ أي: الذينَ لم يزلِ الفسقُ وصفاً لهم، ليس لهم قصد في الهدى. وهذه الآية الكريمة تفيد أن إضلال الله لعبيده ليس ظلماً منه ولا حجَّة لهم عليه، وإنَّما ذلك بسببٍ منهم؛ فإنَّهم الذين أغلقوا على أنفسهم باب الهدى بعدما عرفوه، فيجازيهم بعد ذلك بالإضلال والزيغ وتقليب القلوب عقوبةً لهم وعدلاً منه بهم؛ كما قال تعالى: {ونقلِّبُ أفئِدَتَهم وأبصارَهم كما لم يؤمِنوا به أولَ مرةٍ ونَذَرُهُم في طغيانِهم يعمهونَ}.