يقول تعالى مخبراً عن عناد بني إسرائيل المتقدِّمين الذين دعاهم عيسى بن مريم وقال لهم: {يا بني إسرائيلَ إنِّي رسولُ اللهِ إليكم}؛ أي: أرسلني الله لأدعوكم إلى الخير وأنهاكم عن الشرِّ، وأيَّدني بالبراهين الظاهرة، ومما يدلُّ على صدقي كوني {مصدِّقاً لما بين يديَّ من التَّوراة}؛ أي: جئت بما جاء به موسى من التوراة والشرائع السماويَّة، ولو كنت مدَّع للنبوَّةِ؛ لجئتُ بغير ما جاء به المرسلون، و {مصدِّقاً لما بين يديَّ من التَّوراة}: أيضاً أنها أخبرت بي وبشَّرت، فجئتُ وبعثتُ مصدقاً لها، {ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمُهُ أحمدُ}: وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب النبيُّ الهاشميُّ؛ فعيسى عليه الصلاة والسلام كسائر الأنبياء ؛ يصدِّق بالنبيِّ السابق، ويبشِّر بالنبيِّ اللاحق؛ بخلاف الكذَّابين؛ فإنَّهم يناقضون الأنبياء أشدَّ مناقضة، ويخالِفونهم في الأوصاف والأخلاق والأمرِ والنهي، {فلمَّا جاءهم}: محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - الذي بَشَّرَ به عيسى {بالبيِّناتِ}؛ أي: الأدلَّة الواضحة الدالَّة على أنه هو، وأنَّه رسول الله حقًّا، {قالوا}: معاندين للحقِّ مكذِّبين له: {هذا سحرٌ مبينٌ}: وهذا من أعجب العجائب، الرسول الذي قد وضحت رسالتُه وصارتْ أبين من شمس النهار؛ يُجعل ساحراً بيِّناً سحره؛ فهل في الخذلان أعظم من هذا؟! وهل في الافتراء أبلغ من هذا الافتراء الذي نفى عنه ما كان معلوماً من رسالته وأثبتَ له ما كان أبعد الناس عنه ؟!